لا يرى أكاديميون حرجاً في ان يكون إنشاء الجامعات مرتبطاً بأهداف ديموغرافية، فتوطين الناس في مساقط رؤوسهم ونقل المعرفة إلى مناطق لم تدخلها المعرفة بمعناها الفعلي، وتخفيف العبء على المدن الرئيسية الكبرى، وتوفير عناء السفر على الطلاب، كلها مبررات لإنشاء جامعات في مناطق المملكة. وإذا كانت هذه المتسلسلة من المبررات مقنعة لإنشاء جامعات في المناطق، فماذا عن الجانب العلمي والاحترافي لبناء هذه الجامعات على أسس علمية متطورة؟ خصوصاً مع وجود شكاوى عن نقص المرافق التعليمية والكفاءات التعليمية في «الجامعات الجديدة». وربما جاء الدليل على التقصير في بناء جامعات على أسس علمية صحيحة «واضحاً» في حديث عميد كلية المجتمع في محافظة الخرج الدكتور خالد الوهيبي ل «الحياة» عندما اكتفى بسرد فوائد الجامعات المستحدثة على أنها توطين الناس في مدنهم ومحافظاتهم ونقل المعرفة إلى المناطق الأخرى في المملكة، وتخفيف العبء على المدن الكبيرة، واستقرار الأبناء الطلبة بالقرب من أولياء أمورهم بدلاً من تكبدهم عناء السفر، من أهم الميزات التي تمتعت بها الجامعات الجديدة. ودافع الوهيبي عن هذه الجامعات وجوانب القصور فيها بقوله: «لم تولد جامعات الملك عبدالعزيز والملك سعود والإمام محمد بن سعود مكتملة النمو، بل كلها بدأت من الصفر»، مشيراً إلى أن جامعة المللك سعود أسست قبل أكثر من 50 عاماً، «إلا انها لم تكتسب التصنيف العالمي إلا قبل عامين فقط». وفي ما يتعلق بشكوى طلاب في الجامعات المستقلة حديثاً من تواضع كفاءة أعضاء هيئة التدريس فيها، أوضح عميد كلية المجتمع في محافظة الخرج أن هذه الجامعات المستحدثة انتقلت من جامعات عريقة عملت على دعمها بالعناصر البشرية، «فإذا ادعى الطلاب ضعف الكادر التعليمي، فان ذلك يعني ضعف الجامعة الأم لأنها هي من اختارت هذا الكادر». واعترف بأن الجامعات المستحدثة عانت من عدم وضوح الرؤية لدى إنشائها ومن عدم وجود «المرجعية»، «إلا أن مجلس جامعة الخرج كمثال عمل على توحيد الجهود وإعادة هيكلة الكليات وتوحيد الأقسام والكليات تحت مسميات معينة». واعتبر أن الطلاب والطالبات «لا يعون حقيقة الجهد الذي يبذله القائمون على الكليات من عمداء وأعضاء مجلس الجامعة لتحقيق التغيير المنشود، كما أنهم لا يدركون أن الجامعة تعيش مرحلة انتقالية وعليهم ألا يضخموا الأمور، لأن الجامعة الجديدة ما هي إلا نتاج كليات مجتمعة، خصوصاً أن عمر جامعة الخرج الفعلي لا يتجاوز العام، فهي ليست برقاً حتى تسابق الزمن». ويؤمن الوهيبي بالمقولة «أن تمشي أعرج خير من أن تظل مقعداً»، فيما يتعلق بأولوية افتتاح كليات جديدة، على رغم معاناتها من الزلات، ووقوف طلابها شاهدي إثبات على بعض فجواتها، مؤكداً أن «استحداث الجامعات نعمة بحد ذاتها، وعلينا أن ننطلق ونصحح الأخطاء». وعن طبيعة التغيرات التي طرأت على كلية المجتمع بالمحافظة قبل استقلالها عن جامعة الإمام محمد بن سعود وبعد انضمامها لجامعة الخرج، قال عميد الكلية: «في السابق كان افتتاح برامج دراسية وإغلاق أخرى يتم بشكل مقنن وفقاً لما تراه الجامعة الأم، في حين اسهم استقلال الكلية تحت مسمى جامعة الخرج في تسارع فتح برامج دراسية تتواءم مع حاجاتها». وأضاف: «دمج الخطط والمناهج الدراسية بين قسمين متماثلين ينتمون لكليات متباينة واعتماد الأفضل منهم، يعد من ضمن التغيرات التي طرأت على الجامعة بعد استقلالها». وأشار إلى أن تفعيل دور مركز خدمة المجتمع كبرنامج يقدم دورات متباينة المدى تم بعد استقلال الجامعة، «تمت إعادة النظر في شروط القبول بما يتواءم مع رغبات الطلبة»، مضيفاً: «في السابق، كان من الصعب توفير وظائف للمعيدين في الكليات لعدم وجود موازنة خاصة لذلك، في حين نجحت الكلية في توفير وظائف ستة معيدين مرة واحدة بعد استقلالها». لكن اللافت أن الدكتور الوهيبي يفضل عدم افتتاح كليات جديدة «إلا بعد اكتمال ثلثي عناصرها، المتمثلة بالمعامل والأساتذة، ولا بأس في الاشتراك مع معمل كلية أخرى أو استئجار مبنى موقت». في حين يرى عضو هيئة التدريس في جامعة الخرج وليد الدوسري أن الجامعات المستحدثة نجحت في التركيز على التخصصات التي تخدم سوق العمل فقط، «كما تميزت بتخفيف الضغط على الجامعات الأم وشجعت على الهجرة العكسية، لكنه أيد استمرار وصاية الجامعات الأم على نظيرتها الحديثة حتى تستفيد من خبراتها وتتمكن من دعمها. وعن مطالبة الطلبة بأن تتمتع كلياتهم المستقلة بمزايا الجامعات الأم، اعتبر الدوسري أنه من المستحيل عقد مقارنة بين الاثنتين للتباين الهائل بينهما في العمر والمستوى الأكاديمي، وكذلك الدعم المادي ولكن يظل أملنا أن تكون مخرجاتها جيدة. وأشار إلى شح الكادر التعليمي ما اضطر القائمون على الجامعات المستقلة على استقدام بعض من المتعاقدين من جنسيات عربية وآخرين متعاونين ليسوا على درجة عالية من الكفاءة وعلى أساس ذلك «لابد أن نركز على العنصر البشري». وطالب القائمون على تلك الجامعات «بتقليص كمية المواد العامة التي يدرسها الطلبة في مراحلهم الجامعية وتكثيف مواد التخصص التي يدرسها لتبلغ 70 في المئة من مجمل المواد، في مقابل 30 في المئة للمواد العامة اسوة بجامعتي الملك سعود والإمام محمد بن سعود الإسلامية».