يبرز تميّز القطاع المصرفي اللبناني بانفتاحه على الخارج، من خلال وجود فروع لمصارف أجنبية وعربية تعمل في السوق اللبنانية، على رغم انخفاض عددها كثيراً منذ الحرب عام 1975، ويبلغ حالياً عشرة فروع موزّعة بين 6 لمصارف عربية و4 لمصارف أجنبية. ولاحظت جمعية مصارف لبنان في تقرير أوردته في نشرتها الشهرية بعنوان «الانتشار المصرفي اللبناني في الخارج»، أن حصة هذه المصارف «لم تعد تمثّل إلاً نسبة متدنّية من حجم النشاط المصرفي في لبنان، لأنها تعرّضت لضغوط على صعيد انتشارها الخارجي منذ «بازل 2»، فاتّجهت للحدّ من عملياتها في الدول الناشئة». ولفتت إلى أن أزمة المال العالمية «اضطرتها إلى مزيد من الانكفاء، فضلاً عن الأخطار الماكرو - اقتصادية والسياسية التي ينطوي عليها العمل في لبنان». لكن التطور الإيجابي في المصارف اللبنانية «لم يُشعر اللبنانيّين بأن غياب المصارف الأجنبية يمثّل ثغرة أو نقصاً في السوق، من دون التنكّر لاستفادة القطاع المصرفي اللبناني من هذه المصارف، بهدف تطوير تقنياته وخدماته ورفع فاعليته وإنتاجيته». وأشارت إلى وجود مصارف لبنانية بمساهمة أكثرية عربية و/ أو أجنبية، ويبلغ عددها حالياً 15 مصرفاً موزّعة بين 12 مصرفاً بمساهمة أكثرية عربية، منها اثنَان للأعمال وثلاثة مصارف بمساهمة أكثرية أجنبية، منها مصرف واحد للأعمال». وأوضحت الجمعية أن «النتائج الجيّدة للقطاع المصرفي اللبناني وسمعته الطيبة والموثوق بها شكّلت ولا تزال، العامل الأساس وراء اهتمام المؤسسات المالية الإقليمية والعالمية، في إرساء شراكات استراتيجية مع عدد من المصارف اللبنانية». وأعلنت وجود «10 مكاتب تمثيل لمصارف أجنبية». وأفادت نشرة المصارف، بأن المصارف اللبنانية «تتعامل مع أكثر من 300 مصرف مراسل منتشر في نحو 111 مدينة حول العالم». وأشارت إلى أن ل 16 مصرفاً لبنانياً منتشرة في 31 بلداً في العالم (منها 12 بلداً عربياً)، وفي 62 مدينة (منها 37 مدينة عربية) من خلال 89 وحدة قانونية». وعزت جمعية المصارف أسباب التوسّع في الخارج، إلى أسباب داخلية تتصل بالسوق اللبنانية وأخرى خارجية، ترتبط بأسواق البلدان المضيفة. ورأت أن هذا التوسّع «يأتي بعد اختيار دقيق للسوق، وفق مبرّرات وحوافز معيّنة، وله في النهاية نتائجه التي تساهم في زيادة ربحية القطاع وتنافسيته». ولفتت إلى أن حجم القطاع «بات يفوق ثلاث مرّات حجم الاقتصاد الوطني، ويبقى المموّل الرئيس للاقتصاد بقطاعَْيه العام والخاص. وشكّلت التسليفات للقطاع الخاص (مقيم وغير مقيم) نسبة 83.2 في المئة من الناتج المحلي، وللقطاع العام نسبة 85.2 في المئة عام 2009». لكن لاحظت «قدرة نمو محدودة في سوق التسليف المحلية، على رغم الارتفاع الملحوظ لتسليفات القطاع الخاص في السنوات الأخيرة، التي ازدادت 20 في المئة عام 2007 و 22.6 في المئة عام 2008 و13.3 في المئة عام 2009 و19.2 في المئة في الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري». وربطت نمو هذه التسليفات بالتمويل المتزايد للقطاعات الاقتصادية والأفراد والتجارة الخارجية، وبمواكبة المصارف لرجال الأعمال والشركات اللبنانية في نشاطاتهم في الأسواق المجاورة. وعلى رغم ارتفاع الأخطار التي تتحمّلها المصارف، فهي «تبدي رغبة في منح التسليفات للقطاع الخاص مستفيدةً من توافر السيولة لديها إلى حدّ كبير بعد أزمة المال، ومن التعميم الوسيط الرقم 185 وما لحقه من تعاميم». واعتبرت أن قدرة المصارف على التوسّع نحو الخارج، «برزت لأنها تملك إمكانات توفير الخدمات المصرفية وتصديرها، فبات انخراط لبنان المتنامي في الاقتصادين الإقليمي والعربي مهمّاً جداً، خصوصاً أن الظروف مناسبة لناحية الانفتاح الاقتصادي والمالي ووجود فرص غير مستغلّة في هذه البلدان». وأشارت الجمعية إلى أن المصارف «كانت تقليدياً ناشطة في أوروبا، وباتت أخيراً تستهدف دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مع نماذج نشاطات تتلاءم مع شروط سوق البلد المضيف». واستناداً إلى صندوق النقد الدولي، تلتزم المصارف اللبنانية الصيرفة الشاملة في كلّ من سورية ومصر والأردن، في حين تشكّل لها قبرص بوابة لخدمات «الأوفشور». وتركّز المصارف على الصيرفة الخاصة وتمويل التجارة في أوروبا، في حين تتوجّه لتلبية حاجات الجاليات في الدول الأفريقية. وكان عدد من المصارف الكبيرة «بدأ تنفيذ خطط توسّعية مهمة في المنطقة قبل أزمة المال، بهدف تنويع فرص النمو وزيادة الربحيّة وتوزيع الأخطار». ورجحت أن تستمر المصارف في «استكشاف أسواق جديدة ذات إمكانات كامنة تشكّل قيمة مضافة بالنسبة إليها وإلى سياسة تنويع الربح وتوزيع الأخطار وتحقيق عائدات مجزية للمساهمين الذين يستثمرون معها». ويدعم الانتشار المصرفي اللبناني في الخارج «اكتساب المصارف خبرات مميّزة في عمليات أسواق الرساميل، حيث باتت مؤهّلة للعب دور وساطة مالية بمواصفات عالية لمصلحة الحكومات والمؤسسات في المنطقة». وسيكتسب هذا الدور «قيمة مضافة كبيرة» من خلال التوسّع والانتشار والشراكات أو التحالفات مع المؤسسات الإقليمية والخارجية المتمتّعة بإمكانات تمويل كبيرة». وأوضحت نشرة جمعية المصارف في تقريرها، أن الأداء الناشط للاقتصادَيْن اللبناني والإقليمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا «أثّر إيجاباً» على نشاط المصارف اللبنانية العاملة فيها، إذ أن بين المصارف العربية ال 150 الأولى عام 2009، ثمّة 17 مصرفاً لبنانياً، شكّلت حصتها 7.8 في المئة من موجودات المصارف الإجمالية و7 في المئة من الأرباح و5.5 في المئة من حقوق المساهمين، ما يعني مساهمة لافتة لمؤسساتها الإقليمية في نشاطها وأرباحها المجمّعة». ولم تغفل «إدراج تسعة مصارف لبنانية على لائحة المصارف العالمية الألف الأولى، استناداً إلى مجلة «ذي بنكر» البريطانية في عددها الصادر في تموز (يوليو) عام 2009». وأعلن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أن فروع المصارف اللبنانية المنتشرة في الخارج «باتت تساهم في 20 إلى 25 في المئة من مداخيلها، وثمة طموح لدى المصرف المركزي إلى رفعها إلى 50 في المئة، ما يعزّز ميزان المدفوعات وانتشار توظيف اللبنانيّين في الخارج، إلى جانب رفع تصنيف المصارف الائتماني بمعزل عن البلد الأم الذي انطلقت منه». وأبرز التقرير دور السلطات النقدية والرقابية في هذا المجال، لافتاً إلى أن هذه السلطات «وضعت أسساً وقواعد وإجراءات لانتشار المصارف وتوسّعها في الخارج». وخلص تقرير الجمعية، إلى أن استمرار التركيز على تعزيز آفاق نمو المصارف وربحيتها «يستدعي توسيع نطاق تحالفاتها الإقليمية والدولية والإفادة من الفرص الاقتصادية المتاحة في المنطقة من جهة، وتوسّعها في الخارج، خصوصاً أنها تتمتّع بقدرة كبيرة على ذلك يدعمها عدد كبير من اللبنانيين المغتربين في الدول المجاورة، من جهة أخرى».