يوغل الفنان المصري أيمن لطفي بعيداً بصياغاته الفوتوغرافية ليشكل واقعاً بصرياً مختلفاً. يرسم عالمه الأسطوري من تلك الصياغات لمشاهد السحب والمياه وكثبان الرمال والصحراء الممتدة حتى الأفق. في هذه الأجواء السوريالية التي لا تكترث لحسابات المنطق، يبدو الكائن البشري وحيداً وضئيلاً في مواجهة الطبيعة تائهاً، وسط فراغ بلا نهاية. هذه التراكيب السوريالية تمثل أحد جوانب الصورة التي يقدمها الفنان أيمن لطفي في معرضه المقام حالياً في قاعة «الباب» في القاهرة تحت عنوان «الشريان». في هذه المجموعة، تبدو العناصر القليلة التي يوظفها الفنان داخل المشهد وسط هذا الفراغ كتلاً غرائبية الشكل، أو أطلالاً لحضارة غابرة مصنوعة من الحجر والمعدن. المدهش هنا أن المصور لم يستدع عناصره تلك من رحم الأساطير أو من بين مفردات عوالم خرافية وغرائبية، إنما هي عناصر موجودة في متناول أيدينا. كل ما فعله لطفي أنه وضع تلك العناصر خارج سياقها الذي تعوَّدنا على رؤيتها فيه. ففي تلك الصور نرى قطعاً معدنية دائرية أو أسطوانية الشكل، مسامير، أو أدوات مطبخ، أو علباً فارغة وقد تحولت إلى أشكال عملاقة تخدش سكون الصورة وتقطع خط الأفق في تحدٍ. يلجأ لطفي إلى تحريف هذه الأشكال قليلاً لتناسب المشهد، أو يضفي عليها تأثيراً بصرياً من خامة أو وسيط آخر، وقد يضعها كما هي في قلب الصورة لتخطف أبصارنا بجمالها واتساقها مع الفراغ المحيط بها. في معرضه، يستمر لطفي في سرده البصري الشديد التناسق والتعقيد أحياناً، فالصورة على رغم بساطتها وهدوئها الظاهري مسكونة بكثير من المعاني والدلالات. ولا يؤالف الفنان بين تلك العناصر بعشوائية، فلكل منها دوره الذي يكمل المعنى الذي تحويه الصورة. في أعمال لطفي الفوتوغرافية ليس هناك صورة خالية من وجود هذا المعنى، سواء كان معلناً أو غير معلن. ويمكنك أن تعثر عليه بسهولة بين تأثيرات الخلفية، أو درجات اللون، أو نوعية العناصر وارتباطها بعضها ببعض، فهي تتشابك كلها من أجل الوصول إلى درجة التأثير التي يريدها صاحب الصورة. وتشكل كل مجموعة من الصور التي يضمها معرض «الشريان» جانباً من جوانب التجربة الفوتوغرافية لأيمن لطفي، من صور البورتريه المباشر والمركب إلى المشاهد المفتوحة والخيالية. في صور البورتريه يتصدر العنصر البشري المشهد بحضوره الطاغي، وتبدو ملامح الأشخاص لاعباً رئيساً داخل المشهد، وغالباً ما تكون هذه الملامح خالية من التعبير ومستسلمة للسكون، وإنما تتحقق الحركة هنا من تأثير ثنائية الظل والنور والدرجات الصريحة والحيادية. أما أكثر ما يميز هذه المجموعة فهو تأكيد الإيحاء بالتناظر والتماثل بين جانبي الصورة، وهي سمة تغلب على معظم أعمال لطفي، ربما كان مبعثها ذلك الولع الظاهر بتحقيق التناسق المحكم بين أجزاء الصورة. هذا التناظر، أو ما يعرف بالسيمترية، هو إحدى علامات الجمال والتناسق عند فيثاغوروس، كما أن العين تبحث دائماً عن هذا التماثل بين الأجزاء، والوجوه هي أحد المظاهر الطبيعية المحققة لتلك النزعة الغريزية. ويحرص لطفي على الإيهام بذلك التناظر، فإذا وضعنا خطاً فاصلاً بين جانبي الصورة، سيبدو كل جانب مشابهاً للجانب المقابل.