يُلاحظ المطّلع على برنامج الدورة الحادية عشرة ل «آرت دبي» التي تفتتح الأربعاء المقبل، تغييرات عدة واختيارات فنية متنوعة، وانفتاحاً جغرافياً أوسع. ويقف وراء هذه التغييرات المديرة الجديدة للمعرض اللبنانية ميرنا عياد (1977) التي تحاول تطبيق أفكارها بالتعاون مع فريق عملها، لتقديم كل ما هو مختلف وجديد، وتطبيق رؤيتها الفنية النيّرة. وصلت عيّاد إلى إدارة المعرض بعد عشر دورات ناجحة، فما الجديد الذي ستقدمه في الدورة الحالية التي ستكون الأوسع جغرافياً؟ تقول ميرنا عياد وهي من مواليد بيروت، وتعيش في الإمارات العربية المتحدة منذ طفولتها، إنه «من ضمن الإضافات الجديدة التي يقدمها «آرت دبي»، برنامج جامعي التحف الذي سيجمع 100 من جامعي التحف من أنحاء العالم للمشاركة في رحلة خاصة مدتها خمسة أيام. وتشمل القائمة العديد من جامعي التحف من الأميركتين وأوروبا الذين يزورون المعرض للمرة الأولى، إضافة إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا، ليستمتعوا ببرنامج خاص يتضمن العديد من النشاطات التي يحظى بعضها بحضور لأعضاء من الأسر الحاكمة الإماراتية، فيما يستضيف البعض الآخر عدداً من الرعاة المميزين على مستوى الدولة، إضافة إلى جولات فنية برفقة القيّمين لتتكامل هذه الفعاليات مع فعاليات برنامج الشخصيات، خصوصاً مع استمرار نشاط مجموعة جامعي التحف طوال السنة ليلتقي كبار الشخصيات بالفنانين ومن يشاركونهم حب الفنون الجميلة في الإمارات». ويطلق «آرت دبي» هذه السنة برنامج القيّمين الفنيين الذي يشهد استضافة 15 ممثلاً رفيعي المستوى لمؤسسات فنية عالمية مثل «وايتشابل غاليري» و «متحف كيران نادر» و «سيسيشن فيينا» و «دالاس كونتمراري» و «كاريه دو آرتس نيمس» وغيرها، لينضم إليهم أكثر من 80 ممثلاً لمتاحف ومؤسسات عالمية تشارك في الدورة. وتوضح عياد أن «آرت دبي» يقيم هذا السنة «ندوة مودرن» النقاشية للمرة الأولى، «وسيقود حواراتها مؤرخون فنيون وقيّمون وأكاديميون ليوسعوا أفق الحوار حول الحركة الحداثية في الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب آسيا خلال القرن العشرين والأعمال المعروضة في «آرت دبي مودرن». وهناك برنامج التفويضات الفنية الذي يمنح الزوار تجربة فريدة تضيف إلى التجربة المتكاملة للمعرض ككل، وسيقدم خمسة فنانين عروض الأداء الحي في مختلف أروقة المعرض، ويخصص أحدها لتخليد ذكرى فنان الإمارات الراحل حسن شريف وتقدمه ياسمينة رغد ولانا فهمي». وتضاف إلى هذه البرامج المبادرات المجتمعية التي تمتد خارج أسوار المعرض مثل «منتدى الفن العالمي» و «مدرسة آرت دبي الفنية» و«مشروع الزمالة الفنية» وغيرها. ومن الفقرات الجديدة اللافتة، إطلاق مشروع «آرت دبي بورتريتس»، وهي سلسلة من الأفلام القصيرة التي تقدم للمشاهد لمحة عن الفنانين المرتبطة أسماؤهم ببرامج المعرض أو المعارض المشاركة. وكان أول هذه الأفلام حول الفنان الفلسطيني المستقر في بيروت عبدالرحمن قطناني، على أن يقدَّم فيلمان قصيران شهرياً. «تنوّع وعالمية» تؤكد عياد الكاتبة والمحررة والمستشارة الفنية المستقلة التي لها باع طويل في مجال الفنون والثقافة في العالم العربي، أن النسخة الحادية عشرة هي النسخة الأكثر تنوعاً وعالمية، مع مشاركة معارض من أميركا اللاتينية مثل الأوروغواي وتشيلي وبيرو، إضافة إلى مشاركات جديدة من الجزائر والمشاركة الأكبر في تاريخها من إيران. وتشير إلى أن الفنان المحلي استفاد كثيراً من «آرت دبي»، «فالمعرض كان ولا يزال منصة الانطلاق الأفضل للفنانين الصاعدين والمعارض الفنية الفتية نحو العالمية، إضافة إلى كونه نقطة التلاقي والاستكشاف وإطلاق الاتجاهات الجديدة في الساحة الفنية الاقليمية». ولكن هل من خطوات لزيادة الإقبال المحلي؟ ماذا ستفعلون لاستقطاب الجمهور الإماراتي إلى المعرض؟ تجيب عياد: «بعد عقد من الزمن، أصبح آرت دبي حدثاً مهماً وثابتاً في الأحداث السنوية المحلية والإقليمية والعالمية، ويسعدنا أن نشاهد المدينة والدولة بأكملها تشاركان في الاحتفال بالفنون والثقافة خلال آذار (مارس). ستحمل 12 مساحة فنية من دبي راية الإمارات في نسختنا الحادية عشرة ويسعدنا أن نشهد كل يومٍ معارض فنية جديدة تفتح أبوابها في المدينة لتساهم في إثراء الساحة المحلية، كما نفتخر بتعاوننا مع عددٍ من الجامعات والمدارس من خلال تقديم المحاضرات والعروض التقديمية، إضافة إلى مشروعنا التطوعي الذي شهد أكثر من 150 مشاركة هذه السنة، كما عملنا على رفد جدول فاعليات مجموعة جامعي التحف بنشاط شهري متميز، إضافة إلى صفوف مدرسة آرت دبي الفنية التي تقدم خدماتها على مدار السنة». مساحة للنقاش والتفاعل وترى عياد التي عملت محررة لمجلة «كانفاس» لثماني سنوات (2007 - 2015)، أن «آرت دبي» لطالما وفر المساحة الفنية المتقبلة للأفكار والنقاشات والآراء الفنية المختلفة. وتضيف: «يسعدنا أن نرى الفنانين المحليين والإقليميين وهم يختبرون المنهجيات والأساليب الفنية المتنوعة ويجربون مواضيع وأفكاراً جديدة، فالمنطقة ليست بمعزل عن التحديات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تحيط بها، والفنانون هم من يسجل التاريخ للأجيال المقبلة بأسلوب لا يتقنه المؤرخون. الفنانون اليوم يواجهون فرصاً جديدة وتحديات جديدة على حدٍ سواء، ما يؤثر في رسالتهم وأساليبهم الفنية. وكذلك هو الحال مع القيّمين الفنيين الذين يروون الحكايات بأسلوب جديد في كل مرة من خلال المعارض. أما الكتّاب فلهم منصات عديدة للتعبير. وأنا أرى أن هناك فرصاً كبيرةً على الصعيد الفني وهو أمرٌ رائعٌ بالتأكيد». عن الأعمال التي لها علاقة بالثورة السورية أو حرية التعبير عموماً، تشير عياد إلى أعمال السوري همام السيد المستوحاة من الظروف التي يعانيها الناس، على رغم أنها ليست مرتبطة بصورة مباشرة بالثورة السورية، إضافة إلى عرض أعمال لمصطفى الحلاج الذي يعتبر من رواد حركة «فن المقاومة» ضمن «آرت دبي مودرن» للفن الحديث. نشرت عياد كتاباتها في كبرى المجلات والإصدارات العالمية مثل «نيويورك تايمز» و «ذا آرت نيوزبيبر» و «آرتسي» و«آرت فوروم» و «آرت نت» و «ذا ناشيونال». كما نشرت كتباً عن المجموعات والحركات الفنية المهمة في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، ولكن ما رأيها في مقولة أن «آرت دبي» سوق تجارية، أكثر مما هو فني؟ تجيب: «أتفهم هذا، فآرت دبي معرض فني، لكنه أيضاً مؤسسة أكاديمية فنية لها العديد من البرامج غير الربحية. نحن نفخر بكوننا نعيد صَوغ الأطر التقليدية للمعارض الفنية على عكس غيرنا من المؤسسات الفنية، التي تعتمد على التمويل لتنفيذ البرامج المجتمعية وغير الربحية، فهذه هي المسؤولية التي نتحملها من أجل إيصال الرسالة التعليمية والتثقيفية للجميع. ونحن حريصون على تعزيز دورنا كمؤسسة تعليمية ومنصة ثقافية ومؤسسة راعية للفنون. قدمنا قبل عشرة أعوام 40 معرضاً فنياً واستقبلنا 8000 زائر، ووصلنا إلى ما نحن عليه اليوم. فعلى رغم الطابع التجاري للمعارض المشاركة فإننا أكثر من ذلك بكثير. هناك العديد من الجهود الإدارية والفنية خلف الأضواء لتحقيق النجاحات التي تتمتع بها قاعات المعرض، مثل عملية انتقاء الأعمال المشاركة، إذ نعمل عن كثب مع المعارض الفنية لضمان تقديم العروض الأفضل، كما أطلقنا العديد من المشاريع الفنية في مجال البرامج المجتمعية على مدار العام، وكل هذه المشاريع تعكس التزامنا دورنا التعليمي في الساحة الثقافية المحلية. ونحن نفخر بكوننا المركز الإقليمي للفنون والثقافة». لا تنسى عياد دعم الفنانين الشباب، من خلال برامج الفنان المقيم في دبي، أو مدرسة «آرت دبي» الفنية التي تنظم المحاضرات والجلسات الثقافية والفنية على مدار السنة.