واجه وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون سيلاً من الانتقادات لعدم مشاركته في حدث بالغ الأهمية لوزارته هو نشر تقريرها السنوي حول أوضاع حقوق الإنسان في العالم، مخالفاً بذلك تقليداً دأب عليه أسلافه منذ ربع قرن على الأقل. وعلى رغم القلق حيال ما سيفعله الرئيس دونالد ترامب للدفاع عن حقوق الإنسان في العالم، فهذا التقرير لوزارة الخارجية الذي يشمل 199 بلداً، يركز كالعادة على البلدان التي تعتبرها واشنطن معادية مثل كوريا الشماليةوالصين وروسيا وإيران وكوبا. لكن في الشكل، فإن تيلرسون الكتوم للغاية والذي لم يدل بأي تصريح تقريباً منذ تسلم الديبلوماسية الأميركية في 2 شباط (فبراير) الماضي، خالف التقليد المتبع بأن يعقد الوزير مؤتمراً صحافياً تنقل وسائل الإعلام وقائعه ويرد خلاله على أسئلة حول التقرير. ولكن هذا التقرير الأول لوزارة الخارجية في عهد ترامب، نشر خلافاً لهذا التقليد العريق وفي ظل ما يشبه التعتيم، فلا الوزير عقد مؤتمراً صحافياً للكشف عنه ولا حتى فعل ذلك مساعده لشؤون حقوق الإنسان. وبما أن هذا التقرير يرصد أوضاع حقوق الإنسان في نحو 200 دولة في العالم في العام 2016 فإنه في واقع الأمر نتاج إدارة الرئيس السابق باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري أكثر مما هو نتاج إدارة ترامب، ولكن على رغم ذلك فإن عملية إخراجه إلى العلن بهذا الشكل تنطوي على الكثير من المؤشرات. ويمثل هذا التقرير إحدى اهم المحطات السنوية الهامة في عمل الخارجية الأميركية (إضافة إلى تقاريرها حول الحريات الدينية والاتجار بالبشر والإرهاب) ويزداد وقعاً وأهمية حين يتولى وزير الخارجية نشره والتعليق عليه، في حين أن الدول التي تصيبها سهام الانتقادات الأميركية لا تتوانى عن الرد عليه بشدة. واقتصرت مساهمة الوزير في التقرير على كلمة له في المقدمة أكد فيها أن «نشر حقوق الإنسان والحوكمة الديموقراطية يمثل عنصراً جوهرياً في السياسة الخارجية الأميركية». وأضاف: «إن قيمنا تعادل مصالحنا عندما يتعلق الأمر بحقوق الإنسان»، مشدداً على «التزام» واشنطن «الحرية والديموقراطية». لكن هذه الكلمة لم تقنع السناتور الجمهوري ماركو روبيو الذي يُعتبر من داعمي إدارة ترامب ولا أقنعت المدافعين عن حقوق الإنسان. وانتقد روبيو في تغريدة غياب الوزير وصمته «في سابقة من نوعها منذ أمد بعيد». وذكر المساعد السابق لوزير الخارجية لحقوق الإنسان توم مالينوفسكي على «تويتر»، أن «جميع وزراء الخارجية الأميركيين منذ وارن كريستوفر على الأقل (1993- 1997) نشروا شخصياً التقارير حول حقوق الإنسان». وكتب الوزير السابق «تيلرسون في عداد المفقودين مؤشر سيئ بالنسبة إليه وإلى البلاد». وتساءل رئيس منظمة «هيومن رايتس ووتش» الأميركية كينيث روث: «إن لم يكن تيلرسون تجنب نشر تقرير وزارة الخارجية تفادياً للإجابة على أسئلة حول ترامب». وعلى الفور، أعربت المعارضة الديموقراطية والمدافعون عن حقوق الإنسان في الولاياتالمتحدة والخارج، عن القلق من نوايا الرئيس الجديد في ملف حقوق الإنسان. وأمام مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة في جنيف، اعتبر المقرر البريطاني بن إيمرسون «أن الاستماع إلى الرئيس ترامب وهو يشيد في الأيام الأولى بعد تنصيبه بمزايا التعذيب يثير صدمة». وقبل انتخابه وبعده، أعرب ترامب عن تأييده عمليات الإيهام بالغرق التي تعد تعذيباً وحظرها باراك أوباما. لكنه ذكر لاحقاً أنه سيحترم رأي وزير الدفاع جيمس ماتيس الذي يعارض ذلك. أما مضمون التقرير فهو لا ينطوي على أي جديد هذا العام. وخلال عهدي هيلاري كلينتون وجون كيري كانت الوزارة تحلل تطور وضع حقوق الإنسان في العالم. وفي عامي 2014 و2015 دانت واشنطن الانتهاكات التي ارتكبتها «أطراف غير حكومية» كالمجموعات الإرهابية. وفي 2016 وجهت الولاياتالمتحدة سهامها إلى أهدافها المفضلة. وانتقدت واشنطنالصين «لنظامها السلطوي» و«قمعها»، وروسيا «لضمها شبه جزيرة القرم» وأعمال «التعذيب» على «سجناء سياسيين». ودانت واشنطنكوريا الشمالية ل «إعداماتها التعسفية» و «العمل القسري»، وإيران «للقيود الخطيرة على الحريات العامة». والبلد الجديد الذي ورد على قائمة الدول للعام 2016 هو الفيليبين، بسبب «الإعدامات التعسفية» في الحرب على المخدرات التي باشرها الرئيس رودريغو دوتيرتي.