فقدت كرة القدم الفرنسية أمس (الجمعة) أحد أبرز نجومها التاريخيين ريمون كوبا، والذي توفي عن 85 عاماً بعد معاناة طويلة مع المرض. وقال صهره وليام بوشيه إن ريمون «توفي في الساعة 8.15 بعد تدهور وضعه الصحي»، مشيراً إلى أن اللاعب السابق الذي أُطلق عليه لقب «نابوليون»، كان دخل المستشفى الأحد. ويمتلك كوبا مسيرة رياضية حافلة، وقوبل رحيله بتصريحات أبرزت مكانته، لا سيما من الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الذي قال إنه «كان أسطورة لكرة القدم الفرنسية. جمع بين ذكاء اللعب والتقنية اللافتة»، مشيراً إلى أن اللاعب «كان يمتلك شخصية قوية ألهمت موهبتها الشبان في عصره». واعتبر رئيس الاتحاد الفرنسي لكرة القدم نويل لو غريت أن رحيله «خسارة رهيبة لكرة القدم الفرنسية» التي ستحيي ذكراه بدقيقة صمت خلال مباريات عطلة نهاية الأسبوع الجاري. وكان كوبا المتحدر من أصل بولندي واسمه الأصلي ريمون كوباشيفسكي لفت الأنظار في صفوف انجيه قبل أن يلعب في ريمس بين 1951 و1956، لينتقل بعدها إلى ريال مدريد الإسباني. ويعد ريمون رائداً في كرة القدم الفرنسية إذ كان أول لاعب يتألق في الخارج، وساهم في قيادة ريال مدريد الإسباني إلى اللقب القاري ثلاث مرات (1957، 1958، و1959) إلى جانب مجموعة من النجوم كألفريدو دي ستيفانو وفيرينك بوشكاش وفرانشيسكو خنتو، لينال في العام 1958 جائزة الكرة الذهبية لأفضل لاعب. ولم يكن انتقال «نابليون» إلى الفريق «الملكي» سهلاً، إذ قال عنه في تصريحات سابقة: «كنت أول لاعب فرنسي يغادر البلاد. في تلك الفترة، اعتبر كثيرون أنني خائن». وأضاف: «كل ما في الأمر انني كنت رائداً». مباراتان فقط اقنعتا رئيس ريال مدريد السابق سانتياغو برنابيو بالتعاقد معه: نهائي كأس أبطال الأندية الأوروبية (دوري أبطال أوروبا حالياً) التي خسرها فريقه ريمس أمام ريال مدريد (3-4) في مباراة تألق فيها كوبا العام 1956، والمباراة الودية بين فرنسا وإسبانيا (2-1) التي أبدع فيها مجدداً، ليطلق عليه بعدها لقب «نابوليون» من قبل صحافي انكليزي يدعى ديزموند هاكيت يعمل في صحيفة «دايلي اكسبرس»، بفضل ذكائه التكتيكي وقصر قامته (1.68 م). وكاد قصر القامة يحول دون احترافه الساحرة المستديرة، إذ أوضح اللاعب أنه عندما كان في الثامنة عشرة «جاءت أندية عدة لمتابعتي عن كثب من المنطقة، لنس، ليل، روبيه، فالنسيين... لكنها اعتبرتني قصير جداً». إلا أن تصميم الشاب الذي عمل أربع سنوات (من سن ال 14 إلى 18) في مناجم الفحم الحجري حيث تعرض إلى حادث افقده جزءاً من إصبعين في يده، كان غير محدود. وتوج «نابليون» مع ريمس (1951-1956) بطلاً لفرنسا عامي 1953 و1955، وقاده إلى نهائي كأس الأبطال الأوروبية التي فتحت له أبواب ريال مدريد. وخلال كأس العالم لكرة القدم 1958 في السويد، قاد المنتخب الفرنسي إلى نصف النهائي قبل أن يخسر أمام البرازيل (2-5). وعلى رغم تألق مواطنه جوست فونتين (هداف البطولة برصيد 13 هدفاً) وبزوغ نجم الأسطورة البرازيلية بيليه، اختير كوبا أفضل لاعب في تلك النسخة التي أنهاها المنتخب الفرنسي في المركز الثالث. وفي العام نفسه، بات أول لاعب فرنسي يحرز جائزة الكرة الذهبية لأفضل لاعب في أوروبا، علماً بأنه حل ثانياً أعوام 1956 و1957 و1959. وعن تجربته مع ريال، قال: «أمضيت هناك ثلاث سنوات رائعة أحرزنا خلالها كل الألقاب الممكنة، كما تم اختيارنا سنة 2000 فريق القرن من طرف أنصار النادي عند الاحتفال بالذكرى المئوية لتأسيسه». وأضاف: «كانت الأجواء خلال المباريات خارقة للعادة، وكان 125 ألفاً من أنصارنا يلوحون لنا بمناديلهم البيضاء. لم يكن للفريق أي راعٍ في ذلك الحين، ولم تكن المباريات منقولة عبر التلفزيون، وكان علينا خوض مباريات ودية في العالم بأسره من أجل تأمين الموارد المالية». كوبا المهاري كان اللاعب مراوغاً من الطراز الكبير، ويقول في هذا الصدد: «كنت أحب المراوغات كثيراً، وهو ما عابه علي البعض أحياناً، إذ كانوا يعتبرون أنني احتفظ بالكرة أكثر من اللازم وأبطئ الهجمات، لكن المدربين الذين عملت معهم كانوا يطلبون مني ألا أغير أسلوب لعبي». وإضافة إلى مهاراته، كان كوبا ممرراً ذكياً، وهو ما أدركه مدربوه وحاولوا الاستفادة منه، لا سيما أن مراوغاته كانت تمكن الزملاء من الإفلات من الرقابة والتمركز في المكان المناسب لتسجيل الأهداف. وبعد ثلاثة مواسم عاد في العام 1959 إلى ريمس وانضم إلى صديقه المقرب جوست فونتين بعد عام من تألقهما في كأس العالم، ليدافع عن ألوان الفريق حتى العام 1967 قبل أن يعتزل وهو في السادسة والثلاثين من عمره. وفي العام 1973، عرض عليه باريس سان جيرمان العودة عن اعتزاله، إلا انه فشل في اقناعه بذلك. وواصل «نابليون» مزاولة كرة القدم على سبيل الهواية حتى في السبعينات من عمره، ولم يتوقف نهائياً عن ذلك سوى بعد خضوعه إلى جراحة في عظمة الرجل اليمنى.