لم يتوقع رائد المسرح المصري الفنان يوسف وهبي وهو يسوق عبارته الشهيرة «ما الدنيا إلا مسرح كبير» أن يضيق المسرح الكبير بعد رحيله بمسرحه الصغير المعروف ب «رمسيس» في شارع عماد الدين وسط القاهرة، والذي مثل خلال النصف الأول من القرن العشرين مركزاً رائداً لفن المسرح قدم عليه وهبي الملقب ب «عميد المسرح العربي» أعماله، ليتحول بعد عقود من رحيله إلى بهو مظلم في غالبية الأحيان ولافتة يكسوها التراب بدلاً من الإعلانات، فالأعمال لم تعد تعرض بين تلك الجدران المتهالكة. استغل وهبي إرثه من والده مطلع القرن العشرين في تحقيق حلمه بتأسيس مسرح يعرض أعمالاً جادة ذات قيمة، فاختار سينما «راديو» وسط القاهرة وحوّلها إلى مسرحه «رمسيس» بعدما أضاف إليها حجرتين من البناية المجاورة ربطهما بالمسرح عبر ممر يصل إلى صالة العرض التي عرفت تقاليد مشددة لم تُعرف من قبل، سواء تلك التي تحكم فريق العمل أو الجمهور. اقتصر عرض المسرحيات في تلك الصالة على فصل الشتاء، وخلال الصيف تنتقل الفرقة إلى مسرح مدينة رمسيس الذي أسسه وهبي ويضم استوديو للسينما ومحطة إذاعية، وأول دار عرض مسرحي في الهواء الطلق، إلى أن تعرض وهبي الى أزمة مالية أعلن إثرها إفلاسه، غير أن مدينته (رمسيس) بحال أفضل الآن من مسرحه الأول، إذ آلت ملكيتها للدولة (مسرح البالون حالياً). ليس مسرح وهبي فقط ما يشهد تلك الحال، إذ تشاركه المصير ذاته مسارح رواد آخرين (نجيب الريحاني، إسماعيل يسن، علي الكسار). فمسرح الريحاني مثلاً الذي كان قد ضم إليه جزءاً من مسرح وهبي وسط القاهرة لقرب المسافة بينهما، لا يزال يعتلي خشبته فنانون ويحضر عروضه جمهور لكن في فترات متباعدة، كما أن نوعية الأعمال المقدمة لا ترقى إلى ما كان يقدمه الريحاني، وفي ما عدا ذلك تكسو لافتاته الغبار ويصبح بهواً فارغاً كمسرح رمسيس. للريحاني مسرح آخر يحمل اسمه في محافظة الإسكندرية بات الآن مقهى لا يحمل من زمن العروض المسرحية (بطولة الريحاني وعبد الوارث عسر وميمي شكيب وماري منيب وآخرين) سوى بعض الصور القديمة التي احتفظ بها صاحب المقهى كوسيلة ترويجية. للترويج أيضاً استغل أحد المستثمرين في المحافظة ذاتها تاريخ مسرح إسماعيل يس الذي فقده إثر إفلاسه، ويقع في منطقة «كامب شيراز» في الإسكندرية، ليحوله إلى بناية سكنية ضخمة تضم مجمعاً للعروض السينمائية، وصالة عرض مسرحي متواضعة تحمل اسم الكوميدي الراحل. أما مسرح علي الكسار في ضاحية روض الفرج (شمال القاهرة) والذي ذاعت شهرته مطلع القرن العشرين في أوج نجومية الكسار وفرقته المسرحية، فاختفى هو وكل المسارح التي كان يستأجرها الكسار وأشهرها «مسرح أنطون» في الضاحية ذاتها التي تطل على كورنيش النيل، بفعل إعادة تخطيط الكورنيش. ويقال إن أحدها صار مكاناً يدعى «لابلاس» بينما تحول «مسرح أنطون» إلى أرض مهجورة.