تتصاعد حدة التوتر الميداني على الأرض يوماً بعد يوم تزامناً مع تكرار اعتداء قوات الاحتلال الإسرائيلي وتوغلها في أراضي قطاع غزة، أو استمرار القصف الجوي لمواقع فصائل المقاومة الفلسطينية، خصوصاً التابعة لحركتي «حماس» و «الجهاد الإسلامي»، وإطلاق الصواريخ على بلدات إسرائيلية. وترتفع وتيرة العنف والعدوان كلما أطلقت مجموعات مسلحة صغيرة هامشية «خارجة عن الإجماع الوطني» صواريخ تصفها «حماس» التي تسيطر على القطاع سيطرة مطلقة منفردة منذ عام 2007، بأنها صواريخ «عبثية»، تماماً كما كانت السلطة الفلسطينية تصف صواريخ الحركة قبل أكثر من عقد من الزمان. ويسود اعتقاد لدى قسم كبير من الفلسطينيين في القطاع أن عدواناً جديداً محتملاً على القطاع بات مسألة وقت فقط، في ظل أزمات سياسية واتهامات بالفساد موجهة إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو. وتعمق هذا الشعور والاعتقاد لدى الغزيين خلال الأشهر الأخيرة التي تلت تعيين أفيغدور ليبرمان وزيراً للدفاع، خصوصاً أن مسؤولين عسكريين وسياسيين إسرائيليين يعمدون منذ شهور إلى «تضخيم» قوة «حماس» العسكرية، وتهيئة الرأي العام العالمي لقبول أو تفهّم عدوان جديد على القطاع ضد «حماس» التي تشكل «خطراً وجودياً» على الدولة العبرية. وفي سابقة لافتة، دان مبعوث الأممالمتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف إطلاق صاروخ «غراد» فجر أمس من قطاع غزة سقط في منطقة غير مأهولة في ساحل عسقلان الذي يبعد عن القطاع نحو 15 كيلومتراً. ونقلت مصادر أممية ل «الحياة» عن ملادينوف قوله: «أدين إطلاق الصاروخ على إسرائيل. هذا هو الحادث الرابع خلال شهر بعد هدوء استمر أربعة أشهر»، واصفاً إطلاق الصواريخ بأنه «استفزازات تقوض السلام»، وداعياً كل الأطراف المسؤولة إلى «اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع التصعيد». وقالت المصادر الأممية إن ملادينوف استطلع مواقف الأطراف المختلفة، خصوصاً «حماس» وإسرائيل، وأكدت أنها غير راغبة في التصعيد. وأضافت أن ملادينوف، انطلاقاً من ذلك، دان الجهة التي أطلقت الصاروخ التي يعتقد أنها مجموعات تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية «داعش» أو تستلهم فكره، ودأبت خلال الأشهر الأخيرة على «تعكير صفو» التهدئة السارية المفعول منذ انتهاء العدوان الإسرائيلي على القطاع في 26 آب (أغسطس) عام 2014. لكن ما يزيد من مخاوف الغزيين، التهديدات التي وجهها أخيراً ليبرمان إلى «حماس» بأنها «ستدفع ثمناً باهظاً إن حاولت العمل ضد إسرائيل»، إذ اعتبر أن «الهدوء السائد على الحدود الجنوبية مع قطاع غزة مضلل لأن حماس وباقي القوى الفلسطينية لم تتراجع عن رغبتها في القضاء على إسرائيل»، في إشارة إلى التهديد الوجودي للدولة العبرية. من جهته، قال وزير المواصلات والشؤون الاستخبارية الإسرائيلي يسرائيل كاتس إنه نصح نتانياهو أخيراً ب «الانفصال كلياً عن قطاع غزة انطلاقاً من موقع القوة وحفاظاً على مصالح أمن الدولة». ونقلت الإذاعة العبرية عن كاتس قوله، إن «العبر المستفادة من عملية الجرف الصامد (التسمية الإسرائيلية للعدوان على القطاع عام 2014) استخلصت، وجاهزية الجهات الاستخبارية اليوم أفضل من أي وقت مضى». لكن «كتائب القسام»، الذراع العسكرية لحركة «حماس»، لم تشأ أن تواصل استمرار الصمت، وحذرت إسرائيل من مغبة تكرار القصف على القطاع. وقال الناطق باسم الكتائب «أبو عبيدة» في تغريدة على حسابه على «تويتر» مساء الثلثاء إن «أي عدوان مقبل على غرار ما حصل سيكون للمقاومة، وعلى رأسها كتائب القسام، كلمتها فيه، والمقاومة إذا وعدت أوفت والأيام بيننا». واعتبر أن «العدو لا يفهم، على ما يبدو، سوى لغة القوة، والسكوت أحياناً يُفسر من العدو على أنه ضعف». ميدانياً، أطلقت المدفعية الإسرائيلية بعد ظهر أمس قذائف عدة على «نقطة رصد» قريبة من الحدود تابعة ل «كتائب القسام» مرتين خلال عشر دقائق. وقالت مصادر محلية إن ثلاث قذائف استهدفت نقطة الرصد قبل أن تعود المدفعية بدكها مجدداً من دون وقوع مصابين. وسبق ذلك إعلان الجيش الإسرائيلي إصابة إحدى آلياته برصاص أطلق من القطاع بينما كانت «تقوم بنشاطات أمنية روتينية قرب الجدار الأمني» شمال القطاع. وقبلها أيضاً، أطلقت قوات الاحتلال النار في اتجاه أراضي المواطنين شمال القطاع، من دون وقوع مصابين. وكانت أربع جرافات عسكرية إسرائيلية توغلت صباح أمس مسافة محدودة شرق مدينة دير البلح وسط القطاع، بعد ساعات قلية على إطلاق صاروخ من القطاع على عسقلان. وقالت وسائل إعلام عبرية إن «الصاروخ من نوع غراد عيار 122 مليمتراً، ثقيل ومحشو بكمية كبيرة من المتفجرات».