هل ثمة قاسم مشترك بين الرئيس العراقي «المقبور» صدام حسين ورئيس الحكومة العراقية «المرهون» نوري المالكي؟! من الأفضل بينهما لحفظ أمن العراق واستقراره داخلياً وتوسيع علاقاته خارجياً؟ ستربط الإجابة عن السؤال الأول «بديهياً» بمدى تشبث الاثنين بكرسي السلطة والعض عليه بالنواجذ، لكن الفارق أن صدّام كان يعلنها صريحة بلا مواربة للأبواب، أما المالكي فإنه يتذاكى ويتمنطق ب «ديموقراطية» مشوّهة. وربما تكون الإجابة عن السؤال الثاني، أن العراقيين إبّان حقبة حكم صدام حسين كانوا يخشون القتل والتعذيب والزج بهم في الزنازين حتى الموت بتدبيره وبأيدي رجالاته وحكومة ديكتاتورية ونظام استبدادي، لكنه ظل يحفظ الأمن ويخشاه المتطرفون والطائفيون والمسلحون، لكن المالكي، وعلى رغم مرور أكثر من أربع سنوات على توليه رئاسة الحكومة، عجز عن حفظ الأمن وسقط في حلبة «اللاإستقرار»، إضافة إلى تورطه، بحسب ما ورد في وثائق «ويكيليكس»، في إدارة فرق قتل وتعذيب، وتغاضيه عن الدور الإيراني في تسليح ميليشيات كجزء من حرب «خفية». من الواضح أن العراق لن يهنأ بالاستقرار في فترة قريبة، في ظل تعنت المالكي وإصرار زعامات «طائفية» على تقديم مصالح دول إقليمية على حساب التوافق ومصلحة الشعب والابتعاد عن الاتفاقات الهشة التي لا ترمم العظم العراقي. من يتأمل الاتفاق الذي وقّعته القيادات العراقية أخيراً، أي بعد ثمانية أشهر من الأزمة والفراغ السياسي، على خلفية نتائج الانتخابات الأخيرة، يشعر بأن الاتفاق «هش» ومبنيٌّ على الترضية وتقاسم السلطة، بعيداً عن رغبات الشعب ومصالح الدولة، كونه لا يؤسس لنظام وآلية واضحة تحقق الاستقرار المستقبلي وتمنع تكرار الأزمة السياسية. الاتفاق شرعن لوضع ما قبل الانتخابات، عبر إعادة تنصيب جلال طالباني رئيساً للجمهورية، ونوري المالكي رئيساً للحكومة، وخلق مؤسسة جديدة بناءً على اقتراح نائب الرئيس الأميركي بايدن، لم يتم تحديد صلاحياتها ومهامها، بل إنها غير معروف إن كانت تنفيذية موازية لمجلس الوزراء أو دستورية موازية للبرلمان، وإنما المعروف أن اسمها مجلس السياسات الاستراتيجية، ويتولاها إياد علاوي، إضافة إلى منح «العراقية» رئاسة البرلمان، وهي القائمة الفائزة في الانتخابات. يعني على الشعب أن يختار في الصناديق ويترأس الحكومة من لا يختاره الناس. لأن هناك من سيقف حجر عثرة في طريق الخيار الديموقراطي ويقصي الفائز عن رئاسة الجمهورية أو الحكومة وربما البرلمان. ليس سراً أن هناك قوى سياسية عراقية تتهم نوري المالكي بالطائفية جراء مواقفه «غير الواضحة» من العنف الذي يجتاح البلاد، كما أن الجيش الذي أشرف على تكوينه متهم بالتورط في جرائم وعمليات تعذيب، بحسب وثائق «ويكيليكس»، إضافة إلى أن إصرار المالكي على البقاء في المنصب، ورفضه كل المبادرات، يفسران أنه يأتمر بأمر غيره وينفذ أجندة لا تخدم التوافق العراقي، وهو ما قد يتسبب في إفشال الاستقرار السياسي، واستشراف مرحلة عراقية جديدة. إذاً، ليس هنالك فرقٌ بين صدام حسين الذي نصّب نفسه رئيساً «أوحد» للعراق، والمالكي الذي يرفض التفريط في المنصب، ولو كان ذلك على حساب مصلحة العراق واستقراره وعلاقاته ومحيطه العربي. هناك فساد ينخر في عظم الدولة، وظلم واقع على شرائح من المجتمع، كما أن سوء الخدمات، وضعف أداء معظم القطاعات، وتنامي الطائفية، والخلافات العميقة بين المشاركين في العملية السياسية، تتطلب روحاً رياضية وطنية وديموقراطية حقيقية تعلن التنازل للأفضل وتمهيد الطرقات أمام القيادات السياسية العراقية الفاعلة، لما فيه مصلحة العراق وأمنه وتحقيق استقراره لمواجهة التحديات والمشكلات حتى لا تصبح البلاد مسرحاً لصراع الأجندات التي تخدم طهران وواشنطن وتغلق الشبابيك أمام المصلحة العربية. الشارع العراقي ينتحب، والدموع لا تجف، وصور الجثث والقتلى لا تكف عن نقلها وسائل الإعلام، والفوضى تلف بلاد الرافدين، وعمليات الإرهابيين تتصاعد بعد أن وجدت ثغراتٍ وهفوات في حكومة المالكي، ما سهّل تنفيذ أجندتها وأهدافها «الإجرامية». ألا يستحق سوء الأوضاع وتزايد معاناة العراقيين تنازلاتٍ وطنيةً من المالكي وحكومته بدل أن يبرهن - بتعنته في البقاء رئيساً للحكومة - على الرغبة في تكرار تجربة صدام والاحتفاء بعهده الأسود؟