يحترف صانع الأعواد الأردني عامر المناصير مهنة لم يعهدها الأردنيون قطعاً، ففي إحدى مناطق عمّان الشرقية منشرة متواضعة تنتشر فيها الأخشاب بشتى أنواعها لصناعة الأعواد، وبعض الآلات البسيطة لترميم أعواد مضى عليها عهد من الزمن. يمضي عامر جزءاً من يومه منهمكاً في اختيار أنواع الأخشاب ذات جودة، تلائم صناعة عود معين، ثم يمضي ما تبقى من ساعاته منشغلاً بقص تلك الأخشاب وتفريغها، لإنجاز عود على الطراز السوري أو العراقي أو حتى التركي. الأعواد باختلاف منابتها وأصولها دفعت عامر منذ 15 عاماً إلى التعرف أكثر إلى تاريخ كل عود شرقي وتعلم أساليب عدة لإتقان صناعة الأعواد بما يلبي قواعد المهنة بكل حذافيرها. أما ترميم الأعواد وصيانتها، فيشكلان عالماً آخر بالنسبة إلى عامر الذي يعشق ترميم الأعواد أكثر من صناعتها، لما تحمله الأعواد القديمة من قيمة تاريخية تعود إلى مئات السنين أحياناً وقيمة فنية أيضاً، لأن بعضاً من تلك الأعواد توارثها موسيقيون عرب مرموقون. ويقتني عامر في منشرته ومنزله أعواداً موسيقية تعود صناعتها إلى عام 1920، إضافة إلى أعواد أخرى صنعها أرباب هذه المهنة كصانع الأعواد العراقي الراحل محمد فاضل والسوري الياس النحّات وغيرهما ممن اشتهروا بهذه المهنة. يقول عامر ل»الحياة» إنه يشعر بفخر كبير حين يقتني عودا قديما ليعيد إليه الروح والأنغام، خصوصاً عندما تكون آلة مضت عليها سنوات طويلة وكانت بحوزة أحد الموسيقيين الكبار، كالفنانين عبادي الجوهر ومحمد عبده، مبيناً أنه يملك 90 عوداً بحاجة إلى صيانة وترميم. ويصعب على عامر إيجاد الأخشاب الخاصة بالكميات المطلوبة في الأردن، خصوصاً خشب اللوز والكرز والتوت والجوز، علماً أن استخدام هذه الأنواع يساهم في إطالة عمر العود ويلعب دوراً مهماً في إصدار النغمات بانسيابية عالية، لذلك يلجأ عادة إلى الأثاث المستعمل القديم إذا كان مصنوعاً من الأخشاب المطلوبة. وهو يستخدم، في أي حال، أي بديل متوافر حتى لا يفقد متعته الوحيدة في حياته، خصوصاً أنه يرى في نفسه عاشقاً لا منافس له لآلة العود، وعلى رغم أنه ليس عازفاً، فإنه يشعر بسعادة كبيرة عندما يتمكن من بث الروح في أضلاع الخشب الساكن. ويقول المناصير إن آلة العود قريبة إلى قلبه، كونها آلة شرقية بكل ما تحمله من تفاصيل، مشيراً إلى أنه تعلم صناعة الأعواد على عود مصري اشتراه من أحدى الموسيقيين العراقيين قبل 20 سنة بسعر زهيد. ويأمل بأن تُدرِج المعاهد الموسيقية الأردنية دورات لصناعة الآلة الموسيقية في مناهجها، إلى جانب تعلم العزف عليها حتى يتعرف الطالب أيضاً إلى أهمية هذه الحرفة ودقتها، خصوصاً أن مهنة صناعة الآلات الموسيقية عموماً والأعواد خصوصاً غير موجودة في الأردن.