«توقفت حياتي وإنهار عالمي من حولي حين علمتُ أنّني حامل (...) الدنيا كلها تعاكسني، ولا شريك يقف جنبي ليدعمني ولا أهل يمكن أن يعترفوا بي بعد أن جلبت العار لاسم العائلة كما يقولون، ولا أصدقاء يتفهّمون ما مررتُ به والقرار المصيري الذي يجب أن أتخذه». هكذا تصفُ سمر ح. وضعها حين اكتشفت حملها منذ سنة ونصف السنة بعد أن اغتصبها شاب كانت تعتبره صديقاً لها قبل أن يسافر إلى مركز عمله الجديد خارج لبنان ويمتنع عن الردّ على اتصالاتها. واجهت سمر أهلها وأخبرتهم بما حدث، فكان ردّ فعلهم الأولي محاولة الإتصال بالشاب وإعادته إلى لبنان لكي يتزوّج ابنتهم، لكنّ مساعيهم فشلت ليسعوا بعدها إلى إقناعها بالإجهاض. أبت سمر التخلّص من هذا الجنين، خصوصاً أنّ الإجهاض بالنسبة إليها خطيئة. فتركت بلدتها وسكنت ضمن غرفة صغيرة في أحد الأحياء الشعبية، وعملت سكرتيرة حتّى بدأ بطنها بالظهور ما لفت إنتباه الجيران وربّ العمل. طُرِدت سمر من عملها لأنّها رفضت الإجهاض، ولولا مساعدة إحدى الجارات التي أمدّتها بالطعام والحاجات الأساسية لما بلغت مرحلة الولادة. وحين ولد طفل سمر على يدي قابلة قانونية، عرفت أنّ المرحلة الأصعب ستبدأ الآن، فهناك صعوبات عدة تعترض عملية تسجيل الطفل ليحمل اسمها في ظلّ عدم وجود الشريك. واليوم تتعاون سمر مع جمعية أهلية محلية لمساعدتها على تحقيق ذلك، لأنّ توليها هذه المسائل الشائكة شبه مستحيل مع التكاليف المطلوبة والإجراءات القانونية التي تجهلها. أوضاع متشابهة تكثر قصص الأمّهات العازبات في لبنان، لكن القاسم المشترك بينهن أنّ أياً منهن لم تختر فعلاً هذه الطريق، على عكس ما يحدث في بلدان أكثر تحرّراً حيث باتت الأمومة من دون زواج خياراً ومساراً يمكن المرأة أن تسير عليه، من دون أن تُنبذ من المجتمع. إلا أنّ الوضع مختلف في لبنان، فكلّ أمّ عازبة سبق وعاشت مأساة طويلة قبل أن تصل إلى مرحلة ولادة طفلها وتربيته لوحدها. قصص اغتصاب، إعتداء جنسي، سفاح قربى، هجر الشريك بعد معرفته بالحمل، وغيرها الكثير من المآسي التي تجعل من الأمهات العازبات نساء منبوذات إجتماعياً وإقتصادياً لخطأ لا ذنب لهن فيه غالباً. والنتيجة واحدة، أمّ تحاول أن تعيل طفلها وتسجّله على إسمها مع وضع اسم مستعار للأب، حيث سيكون مدوّناً على إخراج القيد العائلي عبارة «دون زواج شرعي» دائماً، وكأنّ الحكم قد صدر في حقّها وطفلها نهائياً بألا يعيشا حياة هانئة ويكون وضعهما القانوني طبيعياً. مساعدة أهلية لأنّ موضوع الأمّهات العازبات في لبنان لا يزال «تابو» (من المحرمات)، تتجنّب حتّى بعض الجمعيات تقديم المساعدة في هذا المجال بإعتبار أنّها يمكن أن تُتهم بمساعدة النساء الحوامل من دون زواج شرعي. لكنّ من وجهة نظر أخرى، فتلك الأمّهات هنّ الأحوج إلى المساعدة، خصوصاً أنّ عائلاتهن غالباً ما تتخلّى عنهن حفاظاً على شرف الأسرة. وهناك عدد قليل جداً من الجمعيات التي يمكن أن تلجأ اليها الأمّ العازبة، من دون وجود أي مركز مدعوم من الجهات الرسمية لمساعدتها على تنظيم شؤونها. ومن هذه الجمعيات مركز «مريم ومرتا» التي تستقبل الأمّهات العازبات منذ سنوات وتؤمّن لهن الدعم الذي يحتجنه. وكما توضح مديرة المركز رلى أبو ديوان، تكون هناك محاولة أولى للتواصل مع شريك المرأة بهدف الوصول إلى مصالحة. وفي حال لم ينجح هذا الأمر، يمكن الفتاة أن تتقدّم بشكوى لإلزام الشريك بالإعتراف بالطفل. وإذا لم تنجح هاتان الطريقتان، ترافق الجمعية الفتاة الحامل حتّى مرحلة الولادة وتسجيل الطفل على خانة الأمّ. ويكون هناك عمل مكثّف مع الفتاة لتعزيز قدراتها ومهاراتها الإجتماعية، وتحسين وضعها النفسي. كما تستمر المحاولات لإصلاح العلاقة بالشريك والأهل، مع التركيز من جهة أخرى على ملاحقة الشؤون القانونية والجانب المهني لكي تستطيع الأمّ إعالة طفلها لوحدها. وتخبر إحدى الأمّهات العزباوات من اللواتي قصدن هذه الجمعية، أنّها ما كانت لتنجح من دون الدعم الذي أمّن لها. لكن يبقى التحدّي الأكبر في الخروج أيضاً من إطار الجمعية والعودة إلى الحياة اليومية حيث الصعوبات الكبرى. وتضطر أمهات عزباوات إلى القول بأنّهن أرامل أو حتّى مطلّقات، فكلّ الصفات أفضل لهن من القول بأنّ لا أب شرعياً لطفلهن.