كتمت نفس قلمي وحاججت عقلي واستجبت لأمنياتي وعاطفتي كفلسطيني أعشق فلسطين وتساوقت مع التفاؤلات الإعلامية بأن المصالحة باتت قاب قوسين أو أدنى خصوصاً في ظل أجواء إيجابية (العشر الأوائل من ذي الحجة، موسم الوحدة والترابط (الحج)، ذكرى استشهاد القائد الرئيس أبو عمار رحمه الله، حملة مودة الحمساوية التي استطاعت حماس أن تكسر الحواجز وتطرق القلوب التي تحمل مواقف وذكريات أليمة)، كلها أجواء إيجابية لخوض جولة جديدة من جولات المصالحة (لأصحاب البلد وأهل الديار) بعد رأب الصدع مع دمشق. ومع انتهاء المصافحات والتقاط الصور الإعلامية والدخول الى الغرف المغلقة وفتح الملفات فإذا بها تخفى بين صفحاتها قنابل وألغام نسفت التوقعات وحطمت الأحلام عندما طلب وفد فتح فتح الملفات التي تم الاتفاق عليها مسبقاً مثل إنشاء لجنة قضائية تحسم الأمور المتعلقة بتشكيل اللجنة القانونية للانتخابات بالتوافق، وكذلك المحكمة القضائية المتعلقة بالانتخابات واللجنة الأمنية العليا، أي أن الحوار عاد الى نقطة الصفر وليس استكمالاً للنقاط التي انتهت عندها الجولات السابقة، فبدا البون شاسعاً بين الطرفين وكاد أن ينسف كل شيء ويقلب الطاولة لولا بعض الكلمات التي نصحت باستكماله. وبالفعل تم الجلوس مرة أخرى لتفتح فتح باقي قنابلها وهو الملف الأمني الذي وصفته بالخط أحمر لا يمكن تجاوزه، فرفضت اللجنة الأمنية العليا وإعادة هيكلية الأجهزة الأمنية في الضفة متحججة بأن هذا يخضع للقانون الفلسطيني ويجب أن يكون الأمن في منأى عن التجاذبات السياسية وأن هناك التزامات واتفاقيات يجب الالتزام بها وحصرت الملف الأمني بإعادة أفراد الأجهزة الأمنية المستنكفة عن العمل في غزة. أما حماس فردّت بأن الأجهزة التي تم تشكيلها في غزة هي أجهزة ما بعد تحرير غزة من الاحتلال الإسرائيلي وهي الشرعية كونها شكلت على أجندة وطنية بعد زوال الاحتلال، وأن الأجهزة التي يجب إعادة تشكيلها وفق أجندة العمل الوطني الفلسطيني هي أجهزة الضفة الغربية التي شكلت في ظل الاحتلال الإسرائيلي وتعمل في ظل سيطرته واحتلاله للضفة. ولهذا قال رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية: «إن جولة حوار المصالحة لن تستطيع أن تحل كل الخلافات المتعلقة بملف الأمن وملفات أخرى»، معبراً عن عسر عملية الهضم التي تصاحب عملية الحوار. وبقيت حماس متمسكة بمطالبها وهي العقيدة الأمنية وتشكيل اللجنة الأمنية العليا وتفكيك ملف الاعتقال السياسي، منوهة بأنها سهلت كل الأجواء لإنجاح الحوار وإنها مستعدة للتنازلات في الإداريات والهوامش السياسية والفروع وليس في الثوابت والأصول، خصوصاً في الملف الأمني الذي يجب أن يكون فلسطينياً خالصاً وألا يكون تحت الوصاية الأميركية أو الاتفاقات الإسرائيلية. ويجب نشر ثقافة العقيدة الأمنية بين صفوف رجال الأمن وبتحريم التعامل والتخابر وحتى نقل المعلومات ولو بالحد الأدنى مع الجانب الإسرائيلي. أمام هذه الحقائق نرى الآتي: 1 - المصالحة على مفترق طرق والأيام المقبلة حبلى بالمفاجآت التي لا تبشر بالخير في ظل الاعتقالات الأمنية المستمرة في الضفة ومن خلال تصريحات الرئيس أبو مازن التي أعاد في خطابه في ذكرى استشهاد القائد أبو عمار ما تم تجاوزه من كلمات واتهامات وغمز ولمز بحق من يفترض أن يكون شريكه في الحكم. 2 - المصالحة بعيدة التحقيق في الوقت المنظور وأكد بعض قادة الاحتلال أنها لن تتحقق والخلافات بين حماس وفتح كبيرة، وهذا يدل على أن القيادة العسكرية الإسرائيلية عندها تفاصيل التفاصيل وتملك أوراقاً مؤثرة تستطيع إخراجها وفرضها على الطاولة متى شاءت. 3 - فتح لا تريد من المصالحة سوى شيء واحد فقط هو كيف تعيد غزة الى شرعيتها وكيف تعود هي إلى غزة. وفي المقابل لن تتنازل حماس بسهولة عن غزة لذا فإن المعركة ستشهد في الأيام المقبلة فصولاً جديدة من المناكفات السياسية. 4 - الوطن أصبح جزءاً من الماضي تتحكم فيه زمر منتفعة ارتضت بالتبعية الإقليمية والأميركية والإسرائيلية لذلك ما عادت تقدم المصلحة الوطنية على أي مصلحة شخصية أو حزبية أو عائلية، فالعودة إلى الوطن ما عادت مشروعاً وطنياً ولا أولوية لدى القادة التنفيذيين وعلى الشعب الفلسطيني أن يقول كلمته وأن ينتفض من جديد.