في السياق عينه، هناك تقرير أميركي صدر في سياق الأوبئة الفيروسيّة للقرن 21، أشار إلى أن 60 في المئة من أصل 1415 مرضاً وبائيّاً معروفاً، يمكنها أن تصيب البشر والحيوانات سويّة. وتنقسم هذه الأمراض إلى فئتين. وتشمل الفئة الأولى (وهي الأقل أهمية بالنسبة لمسألة العبور من الحيوان إلى الإنسان) ميكروبات تقدر على إصابة البشر والحيوان معاً، مثل ال «هربس» والسلّ والحصبة. وتشمل الفئة الثانية «حمى وادي الصدع» وال «آنثراكس» و «جدري القردة» و «مرض الهزال» وغيرها. وتوصف بأنها أوبئة حيوانية أصلاً، لكنها تخطت الحاجز الطبيعي بين الأنواع، لتصبح أوبئة تصيب البشر أيضاً. وفي وباء «الإيدز»، بدا وكأن تطور المجتمعات البشرية بات مُهَدّداً للعلاقات التي ربطت الإنسان مع الطبيعة على مدار آلاف (وربما ملايين) السنين. ومع توضّح صورة «الإيدز»، أطلق الاختصاصيون على بعض الأمراض البشرية مفهوم «الأوبئة المنبعِثَة مجدداً» Re-Emerging Infections. ويشير التعبير إلى عودة مجموعة من الأمراض المعدية إلى التفشي في صفوف البشر، بعد أن ظن العلماء طويلاً أنها انقرضت أو أوشكت على الانقراض. وغالباً ما عادت لتظهر بعيداً من المناطق التي اعتادت الانتشار فيها. يدخل في إطار «الأوبئة المنبعِثَة مجدداً»، تفشي فيروس «حمى غربي النيل» West Nile Virus الذي انتشر في الولاياتالمتحدة في 2001، للمرة الأولى في تاريخ البشر والفيروسات، بعد أن استقر طويلاً في أفريقيا. وعلى غراره، ينتشر حاضراً فيروس الحمى النزفية «إيبولا» Ebola في كثير من دول القارة الأفريقية، خصوصاً الدول التي تعاني من ظاهرة التصحّر السريع في وسط القارة وجنوبيها. وهجر «إيبولا» موطنه التاريخي (الكونغو)، في موجات تلاحقت منذ سبعينات القرن الماضي. وصدّرت القارة السمراء، بفعل التجارة بالحيوانات الأفريقية، فيروس «جدري القردة Monkey Pox إلى الولاياتالمتحدة. لم يحدِث وفيات، لكنه نشر مرضاً جلديّاً لم يكن مألوفاً في أميركا، تصاحبه بعض الأعراض في الجهاز التنفسي. وتعطي الملاريا مثالاً من نوع آخر. إذ تفشّت في أعالي جبل «كليمانجارو» في أفريقيا. وكان السبب واضحاً: انحسار الثلج عن ذلك الجبل بفعل ارتفاع حرارة الأرض المُتأتّي من التلوث بعوادم الوقود المستخدم في الصناعة والمواصلات. لعل الملاريا مثال جدير بالتأمل. فعندما أخلّت يد الإنسان بالتوازن البيئي، أدى التلّوث إلى ارتفاع حرارة الأرض تدريجياً، ما أذاب الثلج عن جبل اشتهر طوال التاريخ بأن الثلوج لا تزول عنه! ومع الدفء، وجدت البعوضة الناقلة لمرض الملاريا، ظروفاً مناسبة لتكاثرها في الأعالي، الأمر الذي لم يحصل طوال التاريخ الطبيعي للبعوض. النتيجة؟ انتشار وباء في مناطق جغرافية غير مألوفة. يعطي «كليمانجاور» والملاريا مثالاً واضحاً عن آثار الاهتزاز في العلاقة بين الإنسان والبيئة.