يعرف النادي العلماني في الجامعة الأميركية بنشاطه المميز ودوره الفعال سنة بعد سنة في الانتخابات والحياة الطالبية، حتى بات يستقطب أكثر من 170 طالباً، مشكلاً كتلة انتخابية من قرابة 300 صوت يحسب حسابها. تضم الجامعة الأميركية في بيروت نوادي عدة ينشأ الواحد منها على أساس فكرة أو اهتمام ما يجمع عدداً من الطلاب حوله، وتشترط الجامعة أن يكون الحد الأدنى من الأعضاء لتأسيس ناد هو 40 طالباً وعدم تشابه هدف تأسيسه وفكرته مع نادٍ آخر موجود، إذ تقوم أحياناً نواد بمضمون سياسي لكن بواجهة مختلفة لا تعبر عن حقيقة نشاطاتها. والنوادي في الجامعة تشبه مثيلاتها في المجتمع خارج الجامعة إذ يجد الطالب نادياً للرقص وآخر للموسيقى وأيضاً للسياسة. تقول رئيسة النادي الشابة جمانا تلحوق (22 سنة)، إن النشاط السياسي في الجامعة لا يعني العمل المرافق للانتخابات الطالبية فقط، وتأسف لأن النوادي والتيارات والأحزاب السياسية تشارك بقوة في الانتخابات لتعود وتختفي بالكامل تقريباً لبقية العام الجامعي. بدأ النادي العلماني رسمياً في كانون الأول (ديسمبر) 2008، نتيجة لتضافر عوامل عدة منها فترة ما بعد أحداث 7 أيار (مايو)، حين سقطت رهانات مجموعات طالبية مستقلة وعلمانية ويسارية على اصطفافات 8 و14 آذار. اجتمع هذا التغير الجذري مع شعور الطالب وقتها علي نور الدين و8 من زملائه بأنهم غير ممثلين في الجامعة، وأن خيارات التمثيل المتاحة لا تلبي طموحهم ولا تشبههم، فكان قرارهم تأسيس النادي لملء فراغ لمسوه، ولنقل ما يفكرون به ليشكل النادي جسماً جديداً بدأ من الصفر بانياً توجهاته بنفسه من دون اتباع حزب أو تيار سياسي، ومع أمل التمدد نحو جامعات أخرى. ينظم النادي نوعين من النشاطات: داخل الجامعة وخارجها، والمزيح المتكون من هذين النوعين أضفى لمسة خاصة تكاملت مع هوية النادي: داخل الجامعة ندوات تناولت غالباً مواضيع إشكالية كالزواج المدني في لبنان وأخرى مع الكاتب والصحافي زياد ماجد تناولت الثورة السورية في الذكرى الخامسة لانطلاقتها شهدت افتعال إشكال من قبل طلاب ينتمون للنادي الثقافي الجنوبي المحسوب على «حزب الله» تطلب تدخل أمن الجامعة. إشكال أكبر شهده نشاط «Flash Mob» تضامناً مع حلب المحاصرة اندلع بسبب لافتة تقول «أغاني فيروز حرام بس قتل أطفال حلب حلال!» الجملة التي اعتبرت استفزازية واستجلبت تهديدات عنفية للمشاركين من أعضاء النادي العلماني. أما نشاطات خارج الجامعة فكانت من قبيل المشاركة في تظاهرات إسقاط النظام الطائفي والمطالبة بالزواج المدني ومعارضة التمديد «لا للتمديد» للمرة الأولى والثانية، والحراك المدني ومظاهرة «كفى» ضد العنف الأسري، بالإضافة إلى اعتصام عند مخفر حبيش قرب الجامعة لوصل تلاميذ الجامعة مع الواقع المحيط خصوصاً، وفي دفع لمهمة أساسية هي تفعيل الجو السياسي في الجامعة وتحريك فضول الطلاب غير المهتمين بالشأن العام. والانتخابات التي يشارك فيها الطلاب هي المجال الأبرز للعمل الطالبي واستعراض عضلات التمثيل لدى الأحزاب السياسية، وكانت مشاركة النادي العلماني في هذه الانتخابات بداية بالتعاون والتحالف مع مجموعة «بلا حدود» والنادي الثقافي الفلسطيني، ثم كانت المشاركة الأولى في الانتخابات على نحو مستقل عام 2012 عندما نال مرشحو النادي مقعداً من أصل 18 مقعداً في الحكومة الطالبية استتبعوه بثلاثة مقاعد في السنة التالية بينها نائب الرئيس (يشغل رئيس الجامعة منصب رئيس الحكومة) وأمينة الصندوق، أما في عام 2014 ففازوا بأربعة مقاعد ومثلها في 2015 على رغم اعتراضهم على تعديل قانون الانتخاب. وفي آخر انتخابات للحكومة الطالبية نالوا 5 مقاعد منها واحد لرئيسة النادي الحالية. للحكومة الطالبية صلاحيات أوسع وتأثير أكبر من مجالس الطلاب المنتخبة في الكليات، والتي نال النادي فيها 24 من أصل 81 مقعداً في مجمل الكليات، منها 10 مقاعد من أصل 22 في كلية العلوم والفنون أكبر كليات الجامعة. أحرز النادي هذه النتائج المتقدمة على رغم بروز تحالفات جمعت أحياناً الخصوم السياسيين ضد تقدمه المتتالي في الانتخابات الطالبية. موقف النادي من خلال نشاطاته التي تقف إلى جانب الربيع العربي بثبات وجرأة لم تعودا شائعتين بعد مرور هذه السنوات على انطلاقته، ما استجلب تهماً جاهزة بولاء أعضاء النادي لأميركا وفرنسا والسعودية وإسرائيل! النادي اتخذ موقفاً صريحاً وحازماً في دعم حقوق الشعوب المعنية بنيل حريتها بحسب سامر تلحوق (19 سنة) طالب الاقتصاد ورئيس اللجنة السياسية في النادي، الذي يتابع شرح موقف النادي في دعم مناهضة قمع حرية الشعوب كمبدأ أساسي وأول يطبق على جميع الشعوب، وتضيف جمانا التي تدرس بدورها العلوم الاجتماعية والأنتروبولوجية أن الموقف الداعم للثورة السورية طبيعي حتى بالنسبة إلى طلاب لبنانيين، نظراً إلى مشاركة لبنانيين في القتال خارج حدود بلدهم دعماً لنظام يقمع شعبه، وتستحضر في هذا السياق معاناة الشعب اللبناني مع ممارسات النظام السوري نفسه إبان وجود جيشه في لبنان، ووجود أكثر من مليون لاجئ سوري تعاملهم الحكومة اللبنانية بعنصرية، بحسب تعبيرها، وتقول جمانا: «في نهاية المطاف نحن نادٍ سياسي نريد تفعيل تجربة بناء مواقفنا عن قناعة، وأن نحاول إقناع الآخرين بها»، وتشير بالمناسبة إلى معرض قريب سيقيمه النادي عن الفن السياسي في الربيع العربي حيث ستعرض أعمال عن تونس ومصر والبحرين واليمن وليبيا وسورية. المواضيع الإشكالية التي يتناولها النادي في نشاطاته تتطلب آلية صلبة وواضحة لاتخاذ القرار، فتعقد جمعية عمومية للأعضاء كل شهر أو شهر ونصف في الأحوال العادية لتكون المصدر الأساسي للقرارات، ويتم السعي عبر النقاش العام للوصول إلى أقرب ما يمكن للإجماع ثم يأتي دور التصويت لحسم الأمر «إذ يكاد يكون من المستحيل أن يجمع 170 شخصاً على رأي واحد». تتنوع جنسيات أعضاء النادي عربياً من سوريين ويمنيين وبحرينيين ومصريين وأردنيين وفلسطينيين بالإضافة لبعض الأوروبيين، ولا حاجز أمام حامل أي جنسية موجود في الجامعة، والنادي يشكل لبعض هؤلاء الطلاب فرصة للنشاط وممارسة حياة سياسية قد لا تتوافر لهم في بلدانهم الأصلية. هناك دور متاح أيضاً لمن أنهى دراسته الجامعية من أعضاء النادي، إذ يشكل بعضهم لجنة استشارية للنادي تقدم له النصح والمساعدة حين اللزوم كما تهتم بالحفاظ على العلاقة بين النادي والخريجين ودعوتهم إلى كل نشاطات النادي الذي يتجدد أفراده بالكامل كل 3 سنوات.