لربما يبدو من الصعوبة بمكان تخيل البلاد التي كانت مسرحاً لحربٍ ضروس قبل ثمانية أعوام وقد أصبحت قبلةً للشباب وأولئك الراغبين في قضاء أوقاتٍ ممتعة بمعايير أوروبية وبأسعار تصل إلى نصف ما تقدمه وجهات مشهورة. تجمع جورجيا بين خيارات عدة في بلد صغير المساحة. وبعيداً عن النظرة النمطية لدول الاتحاد السوفياتي السابق، تتمتع البلاد بأمان كبير مع انخفاض معدلات الجريمة في شكلٍ واضح، فضلاً عن تحدث معظم السكان باللغة الإنكليزية. ولدى الوصول إلى مطار تبليسي الدولي الذي تربطه رحلات مباشرة بدبي، تطالعك إعلانات ترويجية باللغة العربية لشقق للإيجار أو البيع في مختلف أنحاء البلاد، وهي تلاحقك كذلك أينما ذهبت في العاصمة الجورجية. ويمكن البدء بشارع «روستافلي» في قلب المدينة، والذي ينتهي ب «ساحة الحرية». ويضم هذا الشارع محلات العلامات التجارية الفاخرة ومتحف الاحتلال السوفياتي ودار الأوبرا والبرلمان، بالإضافة إلى فندقي «ماريوت» و «كورت يارد ماريوت» اللذين يعدان علامة فارقة في تبليسي ولا يبعدان عن بعضهما سوى مئات الأمتار، وتحيط بهما كافة المعالم المتميزة. ويضم «ماريوت»، ذو الخمس نجوم والمشيد على مبنى عمره يتجاوز 100 عام، 127 غرفة وصالة رياضية واسعة ومركزاً صحياً بأحدث التقنيات وأفضل العلاجات. كما يمكن الاستمتاع بمختلف أنواع الوجبات في مطعم «بارناس» وصالة «ماجيستك». أما الغرف، فهي تتراوح بين الديلوكس إلى التنفيذية وتجمع بين الديكور الكلاسيكي وأساليب الراحة العصرية، فضلاً عن جناح للرئيس ونائبه وبأسعار متهاودة كثيراً ما تحمل حسومات في حال تم الحجز عبر مواقع الإنترنت الخاصة بذلك. وتكريماً لزيارة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش العام 2005، سمي الجناح الرئاسي الذي أقام فيه باسمه. وعلى عكس ما هي الحال في الكثير من الفنادق الأوروبية، يعمل موظفو الاستقبال وخدمة الغرف على مدار الساعة. ويمثل الفندق خياراً مثالياً للعائلة بسبب رحابة غرفه وأجنحته، ولرجال الأعمال نظراً إلى وجود مركز أعمال عصري وقاعات للمؤتمرات تتسع للعشرات، وأيضاً للعرسان الذين بإمكانهم إقامة حفلة زفافهم في القاعة الفسيحة. ولا تكلف وجبة عشاء غنية بأشهى الأطباق الجورجية في مطعم «بريسيري» في «كورت يارد ماريوت» أكثر من 19 يورو للشخص. وكل ذلك في أجواء من الخصوصية الفائقة والرفاهية التي تعنى بأدق التفاصيل وأهمها إمكانية تقديم طعام حلال. ولا بد من زيارة المدينة القديمة بشوارعها المرصوفة ومحلات الهدايا التذكارية والمطاعم التي تقدم الوجبات الجورجية التقليدية، بل وتلك العربية و «الشيشة» حتى وقتٍ متأخر من الليل وبأسعار 15 يورو للشخصين بالمتوسط. كما لا يمكن تخيل تبليسي من دون حصن ناريكالا الذي يقع على تلة تطل على المدينة ونهر متكفاري. ومن البلدة القديمة، يمكن ركوب «التلفريك» الذي يوفر إطلالة بانورامية بمبلغ يقدر بنحو 1 يورو فقط للفرد. ووضعت جورجيا نفسها على خريطة البلدان التي يمكن إتمام عقد الزواج فيها خلال يوم واحد فحسب ومن دون أي تعقيدات إدارية. وتنافس جورجيا بذلك جزيرة قبرص التي اشتهرت بإجراءات الزواج المدني عالمياً، حيث باستطاعة الأجانب أو الزائرين جورجيا لبضعة أيام أن يعقدوا قرانهم بيسر مدنياً أو حتى دينياً. وتجري إجراءات الزواج في أروقة «وكالة تنمية الخدمات العامة»، وهو مجمع حكومي متكامل يتولى كافة المعاملات في أجهزة الدولة. وتوفر الوكالة خياراتٍ متعددة تتراوح من تسجيل الزواج بالمجان إذا تم من دون طقوس أو برسوم رمزية لا تتجاوز في أقصاها 50 يورو بحسب الخدمات ونوع المراسم، وفيما إذا كانت في أحد يومي نهاية الأسبوع أو في أيام الأسبوع الأخرى، حيث أن تسجيل الزواج يتم على مدار الأسبوع. وتتولى مكاتب متخصصة أمور ترجمة وتصديق وثيقة الزواج بل وحتى تلك التي تتعلق بتوفير وسيلة نقل وباقات الزهور. ومع اتباع جورجيا سياسة «الفيزا المفتوحة»، أي استقبال معظم الجنسيات من دون الحاجة إلى تأشيرة مسبقة، فليس من المستغرب رؤية غاني يتزوج أوكرانية أو سويدي يعقد قرانه على برازيلية أو سوري وسورية يتزوجان بعدما ضاقت الدنيا بهما على رحبها. وتنتشر فروع «وكالة تنمية الخدمات العامة» في كافة أنحاء جورجيا ومقرها الرئيسي في تبليسي. لكن نسبة معتبرة من العشاق يفضلون التوجه إلى أحد فروعها في بلدة سغناغي التي تحمل ألقاباً مختلفة منها «لؤلؤة القوقاز» و «مدينة الحب»، ولا تبعد أكثر من 110 كيلومترات عن تبليسي. واكتسبت البلدة شهرتها من مناظرها الطبيعية التي تبدو وكأنها أخذت من لوحة فنية بسبب هندسة مبانيها التي تشبه المدن الإيطالية الصغيرة الخارجة من روايات الحب. ولا يجب نسيان زيارة منتجع بورجومي الذي يشتهر بمياهه المعدنية ذات الصيت الواسع، ويبعد أقل من 120 كيلومتراً عن العاصمة الجورجية، أو مدينة باتومي على البحر الأسود بشوارعها الأنيقة ومناخها اللطيف (378 كيلومتراً عن تبليسي)، أو جبل كازبيك الذي يفضله المغامرون وهواة التسلق ويصل ارتفاع قمته إلى أكثر من خمسة آلاف متر. ولا يمكن لعيني الزائر أن تخطئا وجوه السياح العرب عامةً والخليجيين خاصةً الذين باتوا يتوافدون على جورجيا بكثرة في الأعوام الماضية مع ازدهار صناعة السياحة وتوافر كافة مقوماتها من مرافق حديثة ومعالم جذابة. ويبقى أن جورجيا تفتح ذراعيها دوماً للعشاق لكي يرسموا خطاهم على دروب الحب، فيغفون في أحضان جبال القوقاز ويعانقون أمواج البحر الأسود.