لا تطلب أميركا عادة من النظم الديموقراطية في غرب أوروبا، استقبال مراقبين دوليين للتحقق من نزاهة العمليات الانتخابية. لذلك ما يبرره، بابتعاد تلك النظم عن أساليب المراوغة والتلاعب والغش. ولا تطلب واشنطن من إسرائيل الحليفة إثبات جدارتها في إدارة أي اقتراع، طالما هي مصنّفة لدى الأميركيين بأنها "أفضل ديموقراطيات" المنطقة إن لم تكن "الديموقراطية الوحيدة" فيها، رغم كل عنصريتها مع فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948. لا تنطبق تلك المسلّمات الأميركية بالطبع على الشريك أو الصديق المصري الذي اعتاد مواسم من الضغوط تمارسها واشنطن، على قاعدة الفصل المصطنع بين وجوه الشراكة ومقتضياتها، والسماح لإسرائيل بتمرينات مشابهة، لتشكو مثلاً "تغافي" مصر عن ضبط تهريب الأسلحة الى غزة. والأصل في معايير الولاياتالمتحدة، أن "ديموقراطياتنا" ليست ديموقراطية، وإن جاز لحقبات مديدة، التعاون السياسي والعسكري مع دول عربية تشكّك واشنطن في نزاهتها وحيادها، حين تُنتخب فيها البرلمانات والمجالس المحلية. وأما المحاولة الأخيرة للإدارة الأميركية في تحديد ثلاثة شروط لضمان نزاهة انتخابات مجلس الشعب (البرلمان) المصري في 28 الشهر الجاري، فبديهي أن تثير غضب الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم، المستفيد الأول من ضعف أحزاب المعارضة وتشتتها، ومن حظر جماعة "الاخوان المسلمين"، ومطاردة قادتها وعناصرها. تُطرح هنا لازمتان ليستا متناقضتين: فرض "النزاهة" بعيون المراقبين الدوليين للاقتراع، فعل تدخلٍ ووصاية يجوز الطعن بمسّها سيادة الدولة المصرية... فيما نزاهة السلطة تبقى موضع اختبار، طالما أُريد للحزب الوطني الديموقراطي أن يكتسح غالبية مقاعد البرلمان، ويمدد للحكم شرعيته التمثيلية. الأهم أن الاختبار ذاته، بوابة عبور الى معركة انتخابات الرئاسة المقبلة في عام 2011، والتي لا ترى فيها المعارضة وقائع المعركة واردة، إلا بالنظر الى غموض آلية "توريث" الحكم. لعل معظم أحزاب المعارضة – كما في أي بلد عربي – يسعدها اللعب على أوتار الضغط الأميركي، على الأقل لتضييق هوامش التلاعب خلال التصويت في 28 الشهر الجاري. ولا يُقال إذا حصل التلاعب، بافتراض كونه تحصيل حاصلٍ في كل تجارب الأحزاب الحاكمة، المتضخمة في ساحات يضيع فيها الحد الأدنى من مظاهر الديموقراطية، بين فسادٍ يضرب الجميع، واهتراء معارضات تستنجد بالأميركي همساً، بعدما كان "أمبريالياً عدواً للشعوب". ولم تمضِ عقود منذ حاور إسلاميون في مصر ديبلوماسيي الولاياتالمتحدة، لا لطلب معونات من القمح، بل لكسب الاعتراف بدور سياسي، إذا فكّرت واشنطن يوماً بتغيير «قواعد اللعبة». جواب الحزب الوطني الرافض طلب واشنطن قبول مراقبين دوليين في مراكز الاقتراع وفرز الأصوات، لن يبدّل شيئاً في علاقة "الشراكة" بين مصر والولاياتالمتحدة، مثلما يُتوقع أن يُغضِب القاهرة التقويم الأميركي للحريات الدينية، ولكن من دون تداعيات على تلك العلاقة، بانتظار مزيد من الضغوط. وإذ يثبت مقدار "التسامح" الرسمي المصري مع التدخلات الأميركية، يطفو معه أيضاً تهافت كل المعارضين للحكم على لعبة الوقت، بانتظار حدثٍ ما، غامض، أو "جائزة ترضية" مجهولة. فحين يرتقي البلد سلّم الخسارة، يُرخى حبل التدخلات على غاربه. عشية الانتخابات البرلمانية في مصر، يصعب التكهن بحصاد الحزب الحاكم، كذلك بعدد الجولات الروتينية لتعقب "الإخوان"، والتي باتت أشبه بتمرين في مسلسل احتواء الجماعة المحظورة. وإن كان الأرجح أن "لعبة الديموقراطية" ستراوح في مكانها، خوفاً من المجهول، فالمخيف أن تبقى اللعبة ذاتها خارج سياق أي إصلاح، وتتراكم أزمات المجتمع فيما الجميع يتفرج. والحال أن من يبرر تفضيل مسيرة السلحفاة للإصلاح، بالتحضير لمعركة رئاسة هادئة، لا يتجاهل عبء تناسل الأزمات في الداخل فحسب، بل يتناسى أن مصر تتغيّر حتماً كلما ضغطت أزمات الجوار على أدوارها، وأن شراكات المصالح لا تدار بالنيات الحسنة وحدها.