ستار رقيق يقسم دكاناً صغيراً لمساحتين تجاريتين، تستخدم كل منهما لغرض مختلف عن الآخر، مشهد ليس غريباً في إحدى قرى محافظة حماة السورية. وأن تقتسم فتاتان ريفيتان في مقتبل العمر المساحتين بات من الامور الطبيعية في تلك المنطقة. الدكان غالباً ما يكون عبارة عن غرفة هزيلة يستخدم جدارها الأمامي الخارجي بدل لافتة للدعاية والترويج، كُتب عليه بخط اليد: «كل خدمات التصوير»، وإلى جانبها مباشرة: «خياطة نسواني». ماكينة خياطة تستقبلك فور دخولك إلى الدكان، ماكينة خياطة من طراز حديث تتصدر بزهو الغرفة، بينما تتبعثر أقمشة من ألوان مختلفة بعشوائية على رفوف بلاستيكية تجاورها طاولة صغيرة «متعددة الوظائف»، وتتناسب مع ضيق المكان، تستخدمها صاحبتها، للمحاسبة وأيضاً لعرض موديلات أزياء مقصوصة من أغلفة المجلات. يختلف المشهد خلف الستار، المحل الثاني، محل تصوير، معتم يتصدره حائط واحد ملون يستخدم كخلفية للصور الفوتوغرافية، وبجواره طاولة المحاسبة أصغر من نظيرتها في الجهة الاولى، إذ تستخدم المصورة مساحة أكبر من المكان لالتقاط الصور بكاميرتها الاحترافية. حنان وأمل، فتاتان من قرية تابعة لمنطقة زيزون في محافظة حماة، المنطقة التي اشتهرت بسبب حادثة انهيار السد وما تركه من خراب على القرى القريبة. الفتاتان لم تستسلما للواقع المأسوي الذي خلّفه انهيار سد زيزون على قريتهما النائية ذات التقاليد المحافظة، فاستطاعتا احتراف مهن لكسب الرزق من جديد، مهن أضافت أفقاً جديداً لحياة السكان في قريتهما أيضاً. لا تزال قرى المنطقة تعاني بعض الجفاف وقلة الموارد المائية، بعد كارثة السد التي فقد إثرها الكثير من السكان بيوتهم وأراضيهم فتردّت أوضاعهم المعيشية. ومع عمليات إعادة تأهيل السد التي تشاركت فيها جهات مختلفة حكومية وغير حكومية ومنظمات الأممالمتحدة، وجدت مشاريع كثيرة طريقها لتقديم خدمات مختلفة إسعافية في البداية ومن ثم تنموية لدعم المنطقة وإعادة الإعمار وتنمية المجتمع المحلي ومنها مشاريع تقدم برامج التدريب المهني وأخرى تعمل على تزويد السكان بقروض صغيرة للنهوض بواقعهم، وكان للنساء الريفيات نصيب كبير إذ بادر قسم كبير منهن الى الاستفادة من هذه الفرصة والوقوف مع عائلاتهن ومساعدتها في الأوقات الصعبة. تروي أمل بحماسة: «تكفل مشروع الأممالمتحدة بالمصاريف اللازمة لإخضاعي لدورة تدريبية في العاصمة دمشق، وهكذا أتقنت فن التصوير وعدت إلى قريتي مع شهادة كمحترفة». وتضيف: «بالتعاون مع القائمين على المشروع، قدمت بعد ذلك طلباً للاستفادة من قرض صغير من أجل استثمار موهبتي الجديدة لفائدتي وفائدة أهل قريتي، لقد وجد الكثيرون في التصوير مهنة لا مكان لها في قرية مثل قريتنا، ولكن محلي الصغير هذا استطاع أن يجذب الناس ويريحهم من عبء التوجه الى المدينة للحصول على الصور التي يحتاجونها أو حتى لتصوير أطفالهم في المناسبات والأعياد». مكّن القرض الصغير سناء من شراء كاميرا جيدة واستثمار الاستوديو الصغير، لإعالة أسرتها وإعادة تجهيز منزلها، طبعاً لا يوجد في القرية مخبر لتحميض الصور، لذلك تلجأ سناء إلى تجميع الصور وتحميضها في أقرب مخبر في إحدى القرى المجاورة لتسلمها إلى الزبائن في الوقت المحدد وأيضاً لتعرض بعضها في غرفة التصوير الخاصة بها، وتؤكد سناء: «استغرب كثيرون في البداية كوني فتاة أريد احتراف مهنة يعتقد الجميع هنا ومنذ زمن طويل أنها مهنة للرجال فقط، أصبحت اليوم أصور معظم حفلات أعراس القرية الخاصة بالنساء». حنين أيضاً استفادت من قرض آخر بعد أن تعلمت الخياطة فتقاسمت مع صديقتها سناء الدكان الصغير لتشقّا الطريق معاً: «المرأة الأصيلة تقف إلى جانب زوجها، وسعادتي غامرة لأن هذا الدكان مكنني من تقديم بعض المساعدة المادية لزوجي لنعيد بناء حياتنا معاً بعد ما ألمّ بنا». أما خديجة، صديقتهما الثالثة، ففضلت أن تستخدم أموال القرض لتشتري بقرة وتعتمد على الوارد الذي يدره بيع اللبن والحليب لتساعد عائلتها. حنين وأمل وخديجة لسن الوحيدات، فالكثيرات استفدن من تركيز برامج التنمية على دعم المرأة الريفية في مناطق مختلفة من سورية. طوّرن مهاراتهن في مجالات عدة كالخياطة، التطريز، تركيب العطور، التصوير وحتى التجارة فوجدن طريقهن لمساعدة أنفسهن بالدرجة الأولى وأسرهن بالدرجة الثانية لتخطي العوائق الاجتماعية والمادية، ليثبتن من جديد أن للمرأة دوراً يجب ألا يستهان به ليس فقط في أوقات الأزمات والكوارث.