مرشد جماعة "الاخوان المسلمين" في مصر محمد بديع الذي صدر في حقه حكم بالاعدام اليوم الاثنين، كان من المحافظين الذين يفضلون في مرحلة ما العمل الاجتماعي على العمل السياسي المباشر، قبل ان تصل الجماعة في عهده الى حكم مصر، ولعام واحد فقط. وحكمت محكمة جنايات المنياجنوب القاهرة بالاعدام على بديع و682 متهماً آخرين دينوا بتهم القتل والشروع في قتل ضباط شرطة في احداث عنف اعقبت فض السلطات اعتصام الاسلاميين في القاهرة في اب (اغسطس) الفائت، والذي اسقط مئات القتلى. وحوكم بديع، المرشد العام الثامن للاخوان، في تلك القضية غيابيا بعدما تعذر نقله من سجنه في القاهرة لحضور جلستي المحاكمة، لاعتبارات امنية. والحكم بالاعدام اليوم هو الاول ضد المرشد بديع والعقوبة الأشد بحق قيادات الاخوان الذين يحاكمون في اكثر من 150 قضية منذ الاطاحة بالرئيس الاسلامي المنتخب محمد مرسي في تموز (يوليو) الفائت. ويحاكم بديع في 37 قضية مختلفة متعلقة بالتحريض على احداث عنف في مختلف مدن البلاد، بحسب محامين له. ومن خلف قضبان قفصه، اتهم بديع في خطب له الجيش بالقيام ب "انقلاب عسكري" ضد الرئيس الاسلامي المعزول. حل بديع في كانون الثاني (يناير) 2010 مكان محمد مهدي عاكف، احد اقطاب "الحرس القديم" للاخوان، بعد اشهر من الخلافات داخل الجماعة بين مجموعات من المحافظين والاصلاحيين حول الاستراتيجية التي يتعين تبنيها. وشهدت سنوات قيادة محمد بديع القصيرة تحولات تاريخية انتقلت خلالها الجماعة بعد عقود من العمل السري الى سدة الحكم، قبل ان تعود الى حركة ملاحقة وتعتبرها الحكومة "تنظيما ارهابيا" بين ليلة وضحاها. وبعيد انتخابه، قال بديع الذي ولد في العام 1943 في مدينة المحلة بدلتا النيل، وعمل استاذا متفرغا في كلية الطب البيطري في جامعة بني سويف (جنوب)، انه سيركز على "التدرج في اصلاح (...) لا يتم الا باسلوب سلمي ونضال دستوري قائم على الاقناع والحوار وعدم الاكراه". وشدد حينها على ان جماعة "الاخوان" التي اسسها حسن البنا في 1928، ترفض "العنف وتدينه بكل اشكاله، سواء من جانب الحكومات او الافراد او المجموعات او المؤسسات". ورأى مراقبون في انتخاب بديع نزعة لدى "الاخوان"، المجموعة الاكثر تنظيما في مصر، الى التركيز على العمل التربوي والتنظيمي والايديولوجي اكثر من العمل السياسي. غير ان ثورة كانون الثاني (يناير) 2011 ضد نظام الرئيس الاسبق حسني مبارك بدت وكأنها غيرت حسابات واستراتيجية بديع وجماعته، اذ وجد "الاخوان" انفسهم فجاة امام فرصة تاريخية لبلوغ ما عملوا عليه بسرية لاكثر من ثمانين سنة. وبدأ التحول في خطاب بديع بعيد فوز "الاخوان" بنحو نصف مقاعد البرلمان في انتخابات العام 2012، حين قال ان للبرلمان المنتخب الحق "في محاسبة كل مؤسسات الدولة وبينها المؤسسة العسكرية" التي خرج من رحمها كل الرؤساء السابقين لمرسي. وفي خضم التحولات التي كانت تعيشها مصر بقيادة مجتمع مدني متحمس، مع الانتقال من نظام ديكتاتوري حكم البلاد بقبضة من حديد لعقود الى نظام ديموقراطي تحكمه صناديق الاقتراع، اعلن بديع ان الجماعة لن تخوض انتخابات الرئاسة او تدعم اي مرشح له خلفية اسلامية. الا ان جماعة "الاخوان" ما لبثت ان اعلنت ترشيح خيرت الشاطر، احد ابرز قادتها المتشددين، للرئاسة، لكن اللجنة الانتخابية استبعدته لاسباب قانونية فاستبدلته الجماعة بمحمد مرسي، الذي تفوق في الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية على الفريق احمد شفيق، آخر رئيس وزراء في عهد مبارك. وبديع، صاحب اللحية البيضاء الخفيفة والوجه النحيف والنظارة التي لا تفارقه، يتمتع بخفة ظل وردود لاذعة عند التعرض للانتقاد. وهو رد على شاب احتد عليه في مركز للتسوق قائلا "الله كلفني الا ارد على امثالك". وبعد سنة من حكم مرسي، قام الجيش بعزل اول رئيس مدني منتخب في تموز (يوليو) الماضي اثر تظاهرات مليونية عمت البلاد وطالبت بانهاء عهد الاخوان الذين اتهموا من قبل مجتمع متدين اجمالا انما غير متطرف، بمحاولة فرض رؤيتهم للاسلام وتمكين اعضاء الجماعة من جميع مفاصل الدولة. وبقي بديع على تأييده لمرسي، وشارك في الاعتصامات التي نظمتها الجماعة في القاهرة الصيف الفائت. ووصل الامر ببديع الى اعتبار ازاحة مرسي اسوأ من "هدم الكعبة"، وقال في رسالته الاسبوعية في 25 تموز (يوليو) ان ما حدث في مصر "يفوق جرم من لو كان قد حمل معولا وهدم به الكعبة المشرفة حجرا حجرا". وهكذا تحولت الجماعة بسرعة قياسية من صاحبة سلطة، الى مطلوبة للعدالة ومكروهة شعبيا على نطاق واسع. والقي القبض على بديع في حي مدينة نصر شرق القاهرة فجر 20 اب (اغسطس) الفائت، ونقل الى سجن طرة حيث يحتجز مبارك. وسبق لمحمد بديع ان سجن مرتين الاولى في العام 1964 لمدة تسع سنوات بعدما اتهم بالتورط في مخطط للانقلاب على السلطة، وهي القضية التي سجن فيها آلاف من اعضاء "الاخوان" واعدم فيها سيد قطب، المفكر الاسلامي الراديكالي البارز. والثانية في العام 1999 حين حكم عليه بالسجن لمدة تسع سنوات امضى منها اربع سنوات تقريبا في السجن. وخلال حكم مرسي الذي استمر لعام واحد، اتهم معارضون ل "الاخوان" بديع بأنه "الحاكم الفعلي" للبلاد، وخرجت تظاهرات تنادي ب "سقوط حكم المرشد". وبعد اقل من عام على عزل مرسي، يواجه بديع حكماً بالاعدام سيتم تأكيده او تخفيفه في 21 حزيران (يونيو) القادم.