شهدت جماعة الإخوان المسلمين في مصر خلال سنوات قيادة محمد بديع القصيرة، تحولات تاريخية انتقلت خلالها الجماعة بعد عقود من العمل السري إلى سدة الحكم، قبل أن تعود إلى حركة ملاحقة بين ليلة وضحاها. ولطالما نظر إلى بديع، المرشد العام الثامن لجماعة الإخوان المسلمين الذي ألقت قوات الأمن القبض عليه في القاهرة فجر الثلاثاء، على انه من المحافظين الذين كانوا يفضلون في مرحلة ما العمل الاجتماعي على العمل السياسي المباشر. غير ان السنوات الثلاث التي قضاها بديع على رأس هرم هذا التنظيم، والتي بدأت نهايتها تلوح مع عزل الرئيس محمد مرسي من قبل الجيش في تموز/يوليو الماضي إثر تظاهرات شعبية حاشدة، أثبتت عكس ذلك. حل محمد بديع في كانون الثاني/يناير 2011 مكان محمد مهدي عاكف، أحد أقطاب "الحرس القديم" للإخوان، بعد أشهر من الخلافات داخل الجماعة بين مجموعات من المحافظين والاصلاحيين حول الاستراتيجية التي يتعين على الجماعة تبنيها. وبعيد انتخابه، قال بديع الذي ولد عام 1943 في مدينة المحلة بدلتا النيل وعمل استاذا متفرغا بكلية الطب البيطري في جامعة بني سويف (جنوب البلاد)، انه سيركز على "التدرج في إصلاح (...) لا يتم إلاّ بأسلوب سلمي ونضال دستوري قائم على الإقناع والحوار وعدم الإكراه". وشدد حينها على أن جماعة الإخوان التي أسسها حسن البنا في العام 1928، ترفض "العنف وتدينه بكل اشكاله، سواء من جانب الحكومات او الافراد او المجموعات او المؤسسات". ورأى مراقبون في انتخاب بديع نزعة لدى الإخوان، المجموعة الأكثر تنظيماً في مصر، إلى التركيز على العمل التربوي والتنظيمي والايديولوجي اكثر من العمل السياسي. غير ان ثورة كانون الثاني/يناير 2011 ضد نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك بدا وكأنها غيرت حسابات واستراتيجية بديع وجماعته، إذ وجد الإخوان أنفسهم فجأة أمام فرصة تاريخية لبلوغ ما عملوا عليه بسرية لأكثر من ثمانين سنة. وبدأ التحول في خطاب بديع بعيد فوز جماعة الإخوان بنحو نصف مقاعد البرلمان في انتخابات العام 2012، حين قال ان للبرلمان المنتخب الحق "في محاسبة كل مؤسسات الدولة وبينها المؤسسة العسكرية" التي خرج من رحمها كل الرؤساء السابقين لمرسي. وفي خضم التحولات التي كانت تعيشها مصر بقيادة مجتمع مدني متحمس، مع الانتقال من نظام ديكتاتوري حكم البلاد بقبضة من حديد لعقود الى نظام ديموقراطي تحكمه صناديق الاقتراع، أعلن بديع ان الجماعة لن تخوض انتخابات الرئاسة أو تدعم اي مرشح له خلفية اسلامية. إلا ان جماعة الإخوان المسلمين ما لبثت أن أعلنت ترشيح خيرت الشاطر، أحد ابرز قادتها المتشددين، للرئاسة لكن اللجنة الانتخابية استبعدته لأسباب قانونية فاستبدلته الجماعة بمحمد مرسي، الذي تفوق في الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية على الفريق احمد شفيق، اخر رئيس وزراء في عهد مبارك. وبعد سنة من حكم مرسي، قام الجيش بعزل أول رئيس مدني منتخب في تموز/يوليو الماضي اثر تظاهرات مليونية عمت البلاد وطالبت بإنهاء عهد الإخوان الذين اتهموا من قبل مجتمع متدين إجمالاً انما غير متطرف، بمحاولة فرض رؤيتهم للاسلام وتمكين اعضاء الجماعة من جميع مفاصل الدولة. وبقي بديع على تأييده لمرسي، وشارك في الاعتصامات التي نظمتها جماعة الإخوان، خصوصاً في النهضة ورابعة العدوية في القاهرة، قبل أن تفض قوات الامن هذين الاعتصامين الاربعاء الماضي في عملية قتل فيها المئات. ووصل الأمر ببديع الى اعتبار ازاحة الرئيس المعزول اسوأ من "هدم الكعبة". وهكذا تحولت الجماعة بسرعة قياسية من صاحبة سلطة، إلى مطلوبة للعدالة ومكروهة شعبياً على نطاق واسع. وقد ألقي القبض على العديد من قيادات الصف الاول فيها، وعلى رأسهم بديع فجر اليوم في شقة تقع في منطقة رابعة العدوية، قبل أن يجري نقله الى سجن طرة حيث يوجد مبارك. وسبق لمحمد بديع أن سجن مرتين الاولى عام 1964 لمدة تسع سنوات بعدما اتهم بالتورط في مخطط للانقلاب على السلطة، والثانية في العام 1999 حين حكم عليه بالسجن لمدة تسع سنوات قضى منها اربع سنوات تقريبا في السجن. وتبدأ يوم الأحد المقبل محاكمة بديع، إلى جانب قياديين آخرين في جماعة الأخوان، بتهمة التحريض على قتل متظاهرين، في يوم يشهد أيضاً جلسة جديدة في محاكمة مبارك. وبعيد إلقاء القبض على بديع، اعلنت جماعة الإخوان المسلمين تسليم منصب المرشد العام بشكل مؤقت إلى نائبه محمود عزت (69 عاما)، الذي ينظر اليه على انه احد اهم صقور التيار المتشدد الذي يطلق عليه "القطبيون" نسبة الى سيد قطب المفكر الاسلامي المتشدد الذي اعدم عام 1966.