دخلت الولاياتالمتحدة أمس، في واقع سياسي واجتماعي واقتصادي جديد، بعد إجراءات الرئيس الأميركي دونالد ترامب حيال الهجرة غير الشرعية، واتجاهه إلى تعزيز السلطات المحلية وعناصر أمن الحدود، استعداداً لعمليات «طرد جماعي» واحتمال تصادم مع حكام ولايات والقضاء الفيديرالي. وتمسكت إدارة ترامب بتنفيذ تعهداتها الانتخابية، وأصدرت تعليمات جديدة إلى وزارة الأمن الداخلي تجيز لعناصر الهجرة والجمارك توقيف غالبية الأشخاص ذوي الأوضاع غير القانونية، باستثناء المهاجرين غير الشرعيين الذين أتوا أطفالاً إلى الأراضي الأميركية عملاً بقانون «داكا» الذي وقعه الرئيس السابق باراك أوباما بإعفاء هؤلاء من ملاحقات. وتطاول التعليمات الجديدة حوالى 11 مليون مهاجر مقيمين بصورة غير شرعية في الولاياتالمتحدة، وتم التساهل معهم أو غض النظر عنهم من جانب الإدارات السابقة. وتمنح الإجراءات الجديدة الشرطة والقضاء المحليين، صلاحية طرد المهاجرين غير الشرعيين، كما تعطي شرطة الجمارك والحدود الحق في رفض طلبات لجوء وردّ الوافدين إلى دولهم الأم، إلى جانب البدء ببناء الجدار الحدودي مع المكسيك في مناطق حساسة. وسادت حال من القلق أجواء الجاليات اللاتينية الأميركية، خصوصاً في ما يسمى «مدن الملاذات الآمنة»، أي الأحياء التي تؤوي مهاجرين غير شرعيين، وتحاشت الشرطة في الماضي دخولها. وبدأ أمس رصد حواجز طيارة لشرطة الهجرة «أيس» في ولايات أميركية عدة لتعقب المهاجرين غير الشرعيين وتوقيفهم، خصوصاً أصحاب السجلات الجرمية. وتمّت توقيفات في الشوارع بولايتي آريزونا وتكساس، وهناك احتمال بطرد هؤلاء. واعترض الديموقراطيون بشدة على هذه الإجراءات، فيما حاول الجمهوريون تسويقها كخطوات لتطبيق سلطة القانون. وقال رئيس بلدية نيويورك الديموقراطي بيل دي بلازيو أن «هذا التغيير التام في السياسة هو دليل واضح على أن إدارة ترامب تسعى إلى تشتيت عائلات ونشر الخوف بين مجموعات المهاجرين». وزاد أن «الرئيس اختار سياسات التقسيم بدل أمن بلادنا»، محذراً من أن عناصر شرطة نيويورك «لن يتحولوا عناصر هجرة». ونددت المعارضة الديموقراطية في الكونغرس وجمعيات الدفاع عن المهاجرين غير الشرعيين بسياسة «طرد جماعي»، فيما رفضت الإدارة هذه العبارة. وحذر المعارضون من أن المهاجرين سيتوقفون عن الذهاب إلى المدارس أو العمل خشية توقيفهم. ومن المستحيل على السلطات طرد أكثر من 11 مليون مهاجر غير شرعي دفعة واحدة. وتقضي تعليمات الموظفين باستهداف مرتكبي الجنح والجرائم في شكل أولي. وبعدما كان أوباما أمر في شكل مبدئي بتوقيف الأشخاص الذين عبروا الحدود حديثاً أو دينوا بارتكاب جرائم أو جنح خطيرة، تركت التعليمات الجديدة لموظفي الهجرة حرية تقدير مدى الخطورة التي يشكلها شخص في وضع غير قانوني، على السلامة العامة أو الأمن القومي. وتستهدف تعليمات الترحيل بصورة خاصة الأشخاص الذين تمت ملاحقتهم في سياق جرائم من دون إدانتهم، أو الذين حصلوا على مساعدة عامة بصفة غير قانونية. وسيتم توسيع آلية الطرد السريع من دون المرور عبر القضاء لتشمل الذين وصلوا منذ أقل من سنتين (بعدما كانت الفترة تقتصر سابقاً على أسبوعين)، كما سيعمد إلى زيادة عديد أجهزة الجمارك ومكافحة الهجرة غير الشرعية. وقال الناطق باسم البيت الأبيض شون سبايسر أن «الأولوية هي للذين يشكلون خطراً على هذا البلد»، مقدراً بمليون عدد الذين تلقوا بلاغاً من قاض يأمرهم بمغادرة الأراضي الأميركية. لكن ترامب قرر في الوقت الحاضر عدم استهداف المهاجرين الذين أتوا أطفالاً إلى الولاياتالمتحدة وحصلوا على إقامة موقتة بفضل برنامج «داكا» الذي أنشأه أوباما عام 2012. وينطبق هذا البرنامج حالياً على حوالى 750 ألف شخص. ويثير مصير هذه الفئة من المهاجرين المعروفة في الولاياتالمتحدة ب «الحالمين»، انقساماً شديداً منذ سنوات بين الجمهوريين، الذين يقر بعضهم بأحقية المطالبة بتشريع أوضاعهم، والمحافظين المتمسكين بخط متشدد خشية إيجاد ثغرات في النظام. وخلقت هذه الأجواء مخاوف اجتماعية واقتصادية داخل الولاياتالمتحدة، بعد تقارير عن انتحار أو اختباء مهاجرين غير شرعيين، وحال ذعر من تشتت عائلات.