عادت قضية حاجة الاقتصاد الألماني الماسة إلى أيد عاملة مؤهلة (من مهنيين وأكاديميين)، لتحتل أولوية مطالب رجال الأعمال والشركات، بخاصة مع ازدياد وتيرة الانتعاش الاقتصادي المحلي. وكان مسؤولو قطاعات الحِرَف والصناعة والتجارة حذّروا بشدة منذ فترة من النقص الشديد في هذا المجال ودعوا إلى وضع عقد مشترك بين الدولة والاقتصاديين لتجاوز هذا النقص الذي يهدد بتحجيم القدرات الإنتاجية وعدم تلبية الطلبات الخارجية. وقدّر رئيس اتحاد غرف التجارة والصناعة الألمانية هاينس دريفتمان النقص في الكفاءات والاختصاصيين في الاقتصاد الألماني ب 400 ألف شخص. وصرّح أواسط الشهر الماضي بأن النقص هذا يعني لألمانيا خسارة سنوية في الناتج القومي تبلغ 25 بليون يورو، أي ما يعادل واحداً في المئة من النمو السنوي. وأظهر استطلاع أجراه اتحاد الغرف الألمانية خلال الصيف الماضي مع مسؤولي 1600 شركة، أن ثلثيها تشكو من نقص في الكفاءات المطلوبة لتعزيز إنتاجها. وبعد التفاهم النسبي بين وزير الاقتصاد الليبرالي راينر برودله ووزراء العمل والتربية والبحوث والداخلية المسيحيين الديموقراطيين، حول موضوع استقدام مهاجرين جدد إلى ألمانيا، رفض الشريك المسيحي البافاري في الحكومة فتح باب الهجرة داعياً إلى تشغيل العمال الألمان أولاً بدلاً من استقدام أجانب من ثقافات أخرى، وهي دعوة دعمتها المستشارة مركل أيضاً وسط احتجاج كبير. وفي موضوع جذب الكفاءات العالية، يبدو سجل ألمانيا متواضعاً جداً كما أعلن المكتب الاتحادي للهجرة، الذي لفت إلى أن أصحاب الاختصاص الألمان يغادرون بلدهم أكثر فأكثر أخيراً. ففي عامي 2007 و 2008 دخل إلى ألمانيا 29141 و25053 بالتتالي من أصحاب الكفاءات الأجانب على التوالي، في مقابل خروج 19069 و19662 ألمانياً على التوالي أيضاً. وأفاد معهد الاقتصاد الألماني بأن الشركات التكنولوجية احتاجت في تموز (يوليو) الماضي إلى 36800 مهندس إضافي من مختلف اختصاصات الهندسة، مشيراً إلى أن الحاجة تزداد شهرياً، والى أن النقص هذا سيبلغ ذروته في الأعوام المقبلة، ما سيؤثر سلباً على الانتعاش الاقتصادي. كما أن وزيرة التربية والبحوث أنّته شافان، حذّرت بدورها من أن الأمر سيتحول إلى كابح كبير للنمو إذا لم تتخذ حكومتها إجراءات لسد النقص. وأكدت أنها ستعمل على إقرار قانون قبل نهاية السنة يسمح بالاعتراف بشهادات التخصص التي يحملها الأجانب والمهاجرون من بلدانهم في أسرع وقت ممكن ومن دون بيروقراطية، ما سيؤمّن للاقتصاد نحو 300 ألف شخص كفوء ومؤهل بحسب تقديرها. وأيدتها في ذلك زميلتها في الحكومة والحزب وزيرة العمل أورزولا فون دير لاين. واتفقت الحكومة الألمانية على الأثر على تشكيل مجموعة عمل لبحث مشكلة «القوى العاملة المهنية المستقبلية» في البلاد، والتفتيش عن حلول لها. ولا يزال وزير الاقتصاد الليبرالي يحاول منذ شهور، حضّ حكومته على تسهيل باب الهجرة لأصحاب المهن والاختصاص من دون جدوى.