عكست استقالة مستشار الأمن القومي الأميركي مايكل فلين، بعد 24 يوماً على توليه منصبه، حجم التصدعات داخل إدارة الرئيس دونالد ترامب، وهي في بداية عهدها، وأعادت خلط أوراق النفوذ والاستراتيجيات الشرق أوسطية. وسارع الديموقراطيون إلى المطالبة بتحقيق خاص في «المدى الكامل للقبضة المالية والشخصية والسياسية لروسيا على ترامب»، فيما حرص الكرملين على التقليل من أهمية الأمر، إذ اعتبره «شأناً أميركياً داخلياً». لكن شخصيات برلمانية روسية نافذة شنّت هجوماً على «صقور» في الإدارة الأميركية، معتبرة أن «جريمة مايكل فلين تكمن في إعلانه استعداداً لحوار مع الجانب الروسي»، ومتحدثة عن «استهداف العلاقات» بين واشنطنوموسكو. وأطاح تحقيق أجرته وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إي)، وإنذارات وجّهتها وزارة العدل حول اتصالات مشبوهة لفلين بالسفير الروسي في واشنطن سيرغي كيسلياك، ومخاوفها من تعرّضه ل «ابتزاز روسي»، بفلين من منصبه مستشاراً للأمن القومي، ليصبح صاحب أقصر فترة في هذا المنصب في تاريخ الولاياتالمتحدة. وفلين من أكثر الوجوه قرباً من ترامب منذ الحملة الرئاسية، ما استدعى طرح أسئلة من الديموقراطيين عمّا قد يعرفه الرئيس عن اتصالاته بموسكو، فيما ترفض الغالبية الجمهورية في الكونغرس التحقيق في الأمر، مستحضرةً «امتيازاً تنفيذياً» للرئيس. وانتهكت الاتصالات التي أجراها فلين بكيسلياك «قانون لوغان» الذي يحظر على المواطنين أداء مهمات ديبلوماسية، وكون فلين وعد السفير الروسي، قبل تنصيب ترامب رئيساً، برفع عقوبات أميركية، في اليوم التي فرضها الرئيس السابق باراك أوباما، أواخر العام الماضي، رداً على اتهام موسكو بالتدخل في الانتخابات الأميركية. وساهم أيضاً في إطاحة فلين علاقته المتشنجة مع أركان في البيت الأبيض، بينهم نائب الرئيس مايك بنس الذي كذب في مقابلة تلفزيونية حول حقيقة اتصالات فلين بالروس، بسبب تلاعب المستشار السابق بالحقائق. وأقرّ فلين في رسالة استقالته بأنه أطلع قبل تنصيب ترامب «عن غير قصد نائب الرئيس المنتخب (بنس) وأشخاصاً آخرين على معلومات مجتزأة تتعلّق باتصالاتي الهاتفية مع السفير الروسي» الذي التقى أمس، نائب وزير الخارجية توماس شانون، ما قد يرتبط باطلاعه على مجريات التحقيق. كما كانت علاقته صدامية مع وزير الدفاع الجنرال جيمس ماتيس والمستشار ستيف بانون، وحاكم ولاية نيوجيرسي كريس كريستي الذي التقى ترامب أمس وقد يدخل البيت الأبيض. وبدأت في واشنطن المداولات حول الأسماء التي قد تخلف فلين، وأبرزها الجنرال المتقاعد ديفيد بترايوس، على رغم تساؤلات حول فضيحة سابقة حين كان مديراً ل «سي آي إي»، وتمريره معلومات سرية لعشيقته. كما طُرح اسم الجنرال المتقاعد كيث كالوغ، وهو مستشار للأمن القومي في الوكالة، ومقرب من ترامب منذ حملته الانتخابية. وأوردت صحيفة «واشنطن بوست» أن اسم نائب الأميرال السابق روبرت هاروارد يحتل الصدارة لخلافة فلين، كونه مقرباً من ماتيس، وكان في البحرية الأميركية وله رصيد جيد مع الحزبين. وترعرع هاروارد في إيران في سنواته الأولى، حين كان والده في الجيش عام 1974، كما عمل في القيادة الوسطى، وبعد تقاعده عمل في الإمارات العربية المتحدة مع شركة «لوكهيد مارتن». وفي حال اختيار هاروارد، يعني ذلك نفوذاً أكبر لوزارة الدفاع في التأثير في الرئيس وفي استراتيجية البيت الأبيض. ورحّب رئيس مجلس النواب بول راين باستقالة فلين، لافتاً إلى أنه يترك للإدارة شرح ملابسات استقالته. وأضاف أن «الشيء الأساسي هو أنه بمجرد فقدان هذا الشخص ثقة الرئيس، طلب الأخير منه الاستقالة، وهذا هو الصواب». وبثت شبكة «سي إن إن» أن رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب ديفيد نونيز يريد تحقيقاً في التسريبات المتعلقة بفلين، من دون المسّ بترامب الذي كتب على موقع «تويتر»: «القصة الحقيقية هي سبب خروج هذا العدد من التسريبات غير القانونية من واشنطن». وسأل: «هل ستحدث هذه التسريبات أثناء تعاملي مع كوريا الشمالية وغيرها؟». لكن زعيمة الديموقراطيين في مجلس النواب نانسي بيلوسي اعتبرت أن «الشعب الأميركي يستحق أن يطّلع على المدى الكامل للقبضة المالية والشخصية والسياسية لروسيا على الرئيس ترامب، وماذا يعني ذلك بالنسبة إلى أمننا القومي». وأضافت أن على الكونغرس «الدعوة إلى لجنة من الحزبين، تكون مستقلة وخارجية، لإجراء تحقيق كامل في النفوذ الروسي على الإدارة وانتخابات» الرئاسة التي نُظمت قي 8 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. أما النائب الديموقراطي آدم شيف، أبرز عضو ديموقراطي في لجنة الاستخبارات في مجلس النواب، فقال إنه يريد أن يعرف هل كان فلين يتصرّف نيابة عن ترامب، أو هل وافق أي شخص في إدارته على اتصالاته مع موسكو. وشدد على أن استقالة مستشار الأمن القومي «لا تنهي تساؤلات حول اتصالاته مع الروس». وقال السيناتور بوب كوركر، الرئيس الجمهوري للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، إن استقالة فلين «ستُضيف زخماً» إلى تحقيق في الكونغرس حول تورط روسيا بانتخابات الرئاسة الأميركية. وأضاف أن فلين قد يُضطر إلى الإدلاء بشهادته خلال جلسة استماع في الكونغرس في هذا الصدد.