مستشفى سعودي يحصد المرتبة ال 15 عالمياً ويتصدر منشآت الشرق الأوسط وشمال أفريقيا    الشهري مديرًا للإعلام    "سدايا" تجمع روّاد الابتكار بمؤتمر" ليب".. السعودية مركز عالمي للتقنية والذكاء الاصطناعي    أمير القصيم يناقش خطط تنفيذ الميناء الجاف    المملكة الإلكترونية والإدارة الحديثة    البداية من الأجيال الصغيرة    تحالف مجري للاستثمار التقني في المملكة    خلال لقاء وزير خارجيتها ورئيس الوزراء محمد مصطفى.. مصر تطالب بتمكين السلطة الفلسطينية وإدارتها لغزة    خبراء يعالجون «سمكة» مكتئبة    أخضر تحت 20 يواجه إيران ودياً    رونالدو: حلمي امتلاك عدة أندية    الاتحاد يخشى التعاون.. القادسية يستضيف الرائد.. الشباب يلتقي الخليج    الرديني يحتفل بعقد قران نجله ساهر    آدم ينير منزل شريف    أسرة العلواني و آل المبارك وآل دعيسان يَتلقَون التَعازي في فقيدتهم "خيرية"    إزعاج من الصف المجاور    الموت يغيب الفنان صالح العويل    تراث الأحساء كنز أصيل يبهر العالم    إطلاق معرض «آرت نهيل» لدعم الحرفيين    لبلب شبهها ب «جعفر العمدة».. امرأة تقاضي زوجها    رعي الحفل الختامي لمسابقة التحفيظ .. أمير الرياض: القيادة تهتم بالقرآن الكريم وحفظته والقائمين عليه    النزاهة مفهوم عصري    مفتي عام المملكة يستقبل المشرف على وحدة التوعية الفكرية بجامعة الملك فيصل    إطلاق برنامج التعداد الشتوي للطيور المائية في محمية جزر فرسان    «الصحة»: إحالة مدعي الطب البديل لجهات الاختصاص لمحاسبته    رفقاً بمحاربي السرطان    نخبة نجوم الجولف يفتتحون موسم دوري lIVGO    الاتفاق يتلقى خسارته الأولى أمام الرفاع البحريني في دوري أبطال الخليج للأندية    الترجمة تلاقح ثقافي بين الحضارات    حسام بن سعود يعتمد نتائج جائزة الباحة للإبداع والتميز    هيئة فنون الطهي تنظّم مهرجان ثقافة الطعام    تكريم عراب التدوين القشعمي بملتقى قراءة النص    اللجنة المشتركة لتحديد الاحتياجات التنموية لليمن تعقد اجتماعها ال22    ثبات ونزاهة المواقف    مؤثرو الغفلة    التأسيس عز وفخر    مركز القرار.. السياسة الإنسانية الحصيفة تنشر السلام    قاعدة: الأصل براءة الذمة    منصات التوصيل النسائية تنافس تطبيقات المشاوير    محللون سياسيون ل«عكاظ»: الموقف السعودي لا يتزعزع.. السلام لا يتحقق إلا بقيام دولة فلسطينية    فريق عمل مشروع توثيق البطولات: لم نعتمد أي إحصائيات أو أرقام    بنوكنا: نعتذر عن تنفيذ الخدمة!    فلسطين.. من رسالة المؤسس إلى رسالة المجدد!    قليلاً من العقل يا فخامة الرئيس    أمر ملكي يعزز النزاهة ويعيد المال العام    الهلال بلا إعلام !    الجابر يدافع عن البليهي ويستنكر ما حدث من جمهور الهلال    صفحة بيت    إقامة ورشة عمل حول " توسيع أفق بحوث العلاج في أمراض الروماتيزم " الملتقى العلمي الدولي ٢٠٢٥    القبض على نيبالي في الشرقية لترويجه الحشيش    جلطات الزنجبيل تستنفر الصحة وتحيل مدعي الطب البديل للجهات المختصة    سعود بن مشعل يدشّن 179 مشروعًا تعليميًا في جدة ومكة    نائب أمير الشرقية يستقبل قائد القوة الخاصة للأمن البيئي بالمنطقة    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية والرئيس الألماني    بيئة حيوية    بقعة زيت قلبت سيارتها 4 مرات.. نجاة ابنة المنتصر بالله من الموت    الرئيس السوري أحمد الشرع يغادر جدة    رئيس الوزراء الصومالي يصل إلى جدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في تونس ... أنا أيضاً أحرقت مركز الشرطة!
نشر في الحياة يوم 28 - 04 - 2014

دفع أبناء المناطق الداخلية في تونس خلال ثورة 14 (يناير) 2011 أرواحهم ثمناً للحرية وواجهوا عدواً واحداً وواضحاً، حاولوا بوسائلهم البسيطة كسر جبروته، هو «بوليس الرئيس السابق بن علي». اضطر الشبان الثائرون إلى إحراق مراكز الشرطة (المخافر) آنذاك حتى يرهبوا رجال أمن بن علي الذي كان يطلق الرصاص الحي في صدورهم. وبالفعل أحرقت آنذاك عشرات مراكز الشرطة في غمرة الاحتجاجات الشعبية، وسجن أيضاً عشرات الشبان بتهمة الاعتداء على «مؤسسات عمومية». وعلى رغم أن هذا الاعتداء كان في إطار مجريات أحداث الثورة،إلا أن غالبية المتهمين ما زالوا يقبعون حتى الآن في السجون ويواجهون عقوبات قاسية جداً.
وما اعتبره تونسيون ثورة ضد النظام البوليسي، اعتبره القضاء التونسي «جريمة يعاقب عليها القانون». والإشكال هنا هو أن القضاء يحاكم مواطنين ساهموا في إسقاط نظام دكتاتوري باعتماد القوانين نفسها التي أرساها هذا النظام. وهذه الرغبة في تنفيذ أحكام قوانين بن علي ضد أبناء الثورة أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن هناك أيدي خفية تسعى لحماية مخلفات النظام وتنظر لشبان انتفضوا ضده كشذرات حرية وثورة يجب كبتها وإخراسها نهائياً حتى لا تعيد الكرة.
ويفترض أن ينظر القضاء التونسي قريباً في تهم موجهة إلى أبناء مدينة المكناسي من ولاية سيدي بوزيد والمتمثلة في الاحتجاج وتنظيم الاعتصامات إثر استشهاد السياسي محمد البراهمي بطلق ناري نفذه إرهابيون متشددون دينياً سنة 2013. صفوان البوعزيزي وبلال العماري على قائمة المتهمين، وهم من أشعل فتيل ثورة «14 جانفي» (14 يناير) وقادوا التحركات الشعبية في مدينة سيدي بوزيد. مشاركتهم في الثورة لم تشفع لهم، أو ربما هي سبب إضافي لسجنهم، خصوصا بعد تبرئة المحكمة العسكرية وزير داخلية بن علي وأتباعه أخيراً في قضايا «استعمال العنف ضد التونسيين أثناء الثورة».
عفو عام لتجار المخدرات وثوار خلف القضبان!
هل هو الثأر من الثورة؟ ومن وراء هذه الحملة لإطفاء جذوتها؟ ومن المستفيد من سجن خيرة أبنائها؟ أسئلة لا إجابة عليها لمن يسعى لفك رموز ما يحصل في تونس الآن ومعرفة أسباب هذه الرغبة المستميتة في تطبيق قوانين بن علي ضد شبان لم تكن نياتهم إجرامية، بل ثورية بحتة. وفي حين يطلق رئيس الجمهورية الحقوقي المنصف المرزوقي سراح المجرمين وتجار المخدرات تباعاً، في إطار عفو عام، لا يعير مسجوني الثورة أي لفتة أو اهتمام، وهو ما أثار ضده غضباً شعبياً وطرح التساؤلات حول من يحكم تونس حقاً؟ هل هي الحكومات المنتخبة أم هي حكومة «ظل» تسعى لكبت أي نفس ثوري حتى لا تتكرر الاحتجاجات ولا تكون مصالح المتنفذين السابقين تحت التهديد؟
ولأن التساؤلات لم تلق أي إجابات مقنعة، قرر بعض شباب مدن بوزيان والمكناسي وجلمة، وهي مدن تابعة لمحافظة سيدي بوزيد، تنظيم حملة دعم لرفاقهم في السجون قبل أن تبدأ المحاكمات. وقد أطلق بعض الناشطين على المواقع الاجتماعية حملة واسعة تحت اسم «أنا أيضا أحرقت مركز الشرطة». وستلي هذا الحملة التي تستمد قوتها من شرعية الفعل الثوري وبراءة المسجونين من نية «الإجرام»، تظاهرات ومسيرات أمام مقار المحكمة وإضراب عن الطعام، حتى إن بعض المشاركين في هذه الحملة هددوا بإعادة «حرق مراكز الشرطة» في حال صدور أحكام جائرة ضد المتهمين. ووفقاً لهم، فإن الظلم الموجه ضد أبنائهم هو نتيجة حتمية للمصالحة السياسية التي قامت بها الأحزاب السياسية في تونس مع أنصار حزب بن علي المنحل، ما مكّنهم من العودة بسهولة للحياة السياسية وتكوين أحزاب والتشدق بانتمائهم إلى النظام السابق وبراءتهم من الجرائم المرتكبة في عهده. هذا التصالح السياسي نتج منه خلط في الأوراق السياسية، خصوصاً أن فئات شعبية كبيرة تدعم عودة «التجمعيين» وتعلن «علناً» سخطها على الثورة والثوار بسبب ما اعتبروه «عجز حكومات ما بعد الثورة على حفظ الاستقرار الأمني والاقتصادي».
مدينة بوزيان ليست الوحيدة التي تستنكر وترفض ظلماً سُلِّط على أبنائها، ثائرون آخرون خبروا الهجرة واللجوء السياسي هرباً من أحكام جائرة تهددهم. جريح الثورة جهاد مبروك يقيم الآن في المغرب بعد أن حُكم عليه بالسجن لمدة ثلاثة أشهر لانتقاده رمزا من رموز النظام السابق. محمد سلامة وصابر المرايحي وصلاح الدين الكشك شاركوا في الثورة وينتظرون الحكم في تهم وجهت إليهم بالشغب والمشاركة في احتجاجات والاعتداء على مؤسسات عمومية. وفي مدينة منزل شاكر في محافظة صفاقس يواجه أحد عشر شاباً تهمة التشهير بمسؤول سابق في نظام بن علي... إضافة إلى عدد كبير من الشبان الموقوفين بتهمة الوقوف وراء أعمال شغب إثر اغتيال كل من الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي.
وما يثير الانتباه، إضافة إلى سرعة القضاء في إصدار أقصى العقوبات ضد أبناء الثورة وتجاهل الحكومة ورئيس الجمهورية لعدالة قضايا الثورة ومفجريها، هو إعراض غالبية مستعملي المواقع الاجتماعية عن المشاركة في حملات المساندة. شباب الثورة في تونس يجدون اليوم أنفسهم في عزلة تامة فيما السياسيون منكبون على التحضير للانتخابات القادمة والمواطنون مشغولون بالأزمة الاقتصادية التي تخنق البلاد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.