هل من الممكن قتل الماضي في لحظة الاحتفال به؟ وهل من «قدرات» الإعلام الاحتفال بالماضي مع تجاهل كثير من ملامحه؟ الموضوع اثاره لقاء كان مقرراً له أن يكون تقليدياً بمناسبة احتفالات تحرير سيناء في 25 نيسان (أبريل)، وفيها يعلن التلفزيون المصري حال التأهب ويعرض عدداً من الأفلام الوثائقية. لكن الاحتفال هذا العام توسع بفعل انتشار القنوات الخاصة التي تتكاثر على نحو غير مسبوق في مصر، ولذا أصبح الشغل الشاغل لفرق الإعداد فيها هو البحث عن جديد يقدم للمشاهد حلول هذه الذكرى. وهنا استطاعت قناة «التحرير» الوصول إلى شخصية نادرة من أبطال حرب الصاعقة هو عبد الجواد سويلم الذي حمل لقب «الشهيد الحي» عقب فقده ساقيه وذراعه اليمنى وعينه اليسرى ليتبقى له ذراع وعين، لكنه فاجأنا كمشاهدين بشخصية أسطورية وهو يؤكد أن ما فعله كمقاتل مع المجموعة «39» برئاسة البطل إبراهيم الرفاعي أمر عادي، وأنه جهز نفسه مراراً للاستشهاد مثل زملائه الذين رحلوا. ولذلك اعتبر نفسه في حال انتظار نداء جديد للوطن ليعطيه ما تبقى له من عمر... ومن أعضاء. دفعت كلمات الرجل القوية الهادرة مقدمة البرنامج مها بهنسي إلى محاولة تهدئة حماسته بالحديث عن تلك الأوسمة التي حصل عليها وأحضر بعضها إلى الاستوديو، فإذا بها تتحول إلى مصدر جديد لحماسة الضيف البطل، حين يرينا وساماً من جمال عبد الناصر قلده إياه وهو في المستشفى بعد إصابته في حرب 1956، ثم وساماً من أنور السادات ومن قيادته في الجيش. ولم يكن صعباً على أي منا في البيوت أن يصدق أن هذا الرجل بطل حقيقي ومؤثر، ما دفع إدارة البرنامج لفتح الباب لمداخلات قليلة، بدا فيها تأثر المشاهدين شديداً، ومعبراً عن هوامش أخرى لم يكن الحوار قد ذهب إليها، مثل حب الجيش وتعلق المصريين به. ومن الحديث عن الجيش انتقل الضيف إلى الهجوم على من سحب صورة الرئيس السابق حسني مبارك في احتفالات تحرير طابا في التلفزيون المصري، مؤكداً أنه -أي مبارك- بطل وقائد لا يمكن محو دوره في الضربة الجوية التي حمت المقاتلين في أكتوبر. لكنّ وزيرة الإعلام درية شرف الدين نفت أي قرار أو توجيه لها برفع صور مبارك، وهو ما اكده شريط الأخبار أسفل الشاشة وأثناء الحوار الذي فتح أمامنا ملفات عدة لم تكن قد أغلقت، ولكن ربما أُجلت إلى حين يأتي وقتها.. غير أن الماضي القريب لا يمكن إخفاؤه أو تأجيله، فالشخصيات مازالت حية. صحيح أن مبارك يحاكم الآن في ملفات فساد، لكن احتفالات سيناء تعيده إلينا بطلاً وهذه هي المعضلة التي لا يدري أحد كيف تُحل... ليس هو وحده، وإنما كل الشخصيات التي ساهمت في أحداث ما بعد ثورة يونيو 1952 إلى أيامنا هذه والتي أعادت إليها ثورة الإعلام قبلة الحياة من جديد.