لسنوات طويلة ظل عالم الاستخبارات المصرية غامضاً، وظل رجاله يعملون في صمت، حتى إنه كان ممنوعا سماع صوت اللواء عمر سليمان، المدير السابق لجهاز الاستخبارات المصرية، في أي مناسبة كانت، لكن قاعدة الصمت الاستخباراتي لم تصمد كثيراً في مواجهة رغبة بعض القيادات السابقة في الاستخبارات المصرية في خوض أول انتخابات رئاسية تجرى عقب ثورة 25 يناير. الصقر.. 37 ثانية تعادل عمره ربما كان الاسم الأكثر بريقاً هو اسم اللواء عمر سليمان الذي على الرغم من إعلانه نيته عدم خوض الانتخابات، إلا أن اسمه سيظل يتردد حتى اللحظة الأخيرة من غلق باب الترشيح. وبلغ حماس البعض لدفعه دفعاً نحو الترشح مع قيام وفد من اتحاد رجال الأعمال المصريين بأوروبا بزيارة إلى القاهرة للضغط عليه للتقدم رسميا لانتخابات رئاسة الجمهورية. وقال صموئيل العشاي مؤسس الاتحاد، "إن أعضاء اتحاد رجال الأعمال المصريين بأوروبا بحثوا مسألة ترشيح سليمان وتأثير ذلك على تحسن الأوضاع الاقتصادية المصرية وإمكانية جلب رؤوس الأموال المصرية المهاجرة إلى مصر لإقامة كيانات اقتصادية عملاقة تستوعب العمالة المصرية". ويقول رئيس الاتحاد محمد عنتر الذي جمع 38 توكيلاً لرجال الأعمال، أعضاء الاتحاد بأوروبا والمنتشرين بكافة دول الاتحاد الأوروبي، إن "عمر سليمان هو الوحيد الذي يستطيع العبور بمصر إلى بر الأمان، وهو القادر على إعادتها لسابق عهدها كرمانة لميزان الشرق الأوسط". وكانت مصادر وثيقة الصلة باللواء سليمان، قد ذكرت أنه تعرض لضغوط كبيرة، من جهات لم تسمها، لإقناعه بعدم الترشح نهائيًا لانتخابات رئاسة الجمهورية وعدم الاستجابة للتحركات والحركات والحملات المؤيدة والداعمة لترشحه، وهو ما نفاه سليمان نفسه، مشيراً إلى أنه لم يتلق أي ضغوط من المجلس العسكري لإثنائه عن الترشح. وتشير التفاصيل المهنية الخاصة بسليمان، الذي كان يلقبه المقربون منه ب "الصقر"، إلى أنه تخرج في الكلية الحربية عام 1955، وتولى عددا من الوظائف القيادية بالقوات المسلحة، بداية من قائد فصيلة حتى قائد فرقة، ثم أصبح مديراً للاستخبارات الحربية، وكانت وظائفه القيادية في سلاح المشاة، كما تولى رئاسة المخابرات الحربية من شهر يوليو 1989 حتى 4 مارس 1991، حيث تم تعيينه من قبل الرئيس المصري السابق حسني مبارك رئيساً لجهاز الاستخبارات العامة، واستمر في هذا المنصب حتى يوم 29 يناير 2011، حيث تمت إحالته للتقاعد وتعيينه نائباً لرئيس الجمهورية، وانتهت وظيفته في 11 فبراير 2011، من خلال كلمته القصيرة التي لم تتعد 25 كلمة، معلناً "تخلي مبارك عن منصب رئيس الجمهورية". وتبقى علاقة سليمان القوية بالرئيس السابق مبارك نقطة الضعف الأكثر قوة في رحلة ترشحه، حيث يرى كثيرون أنه كان جزءاً لا يستهان به في نظام مبارك، وأنه كان إلى جوار مبارك حتى آخر لحظة له في القصر الجمهوري، وهو ما يشير إليه عبداللطيف المناوي، الرئيس السابق لقطاع الأخبار بالتلفزيون المصري، في كتابه "الأيام الأخيرة لنظام مبارك.. 18 يوماً.. أسرار القصر الجمهوري وكواليس ماسبيرو"، قائلاً "قبل أن يرحل مبارك عن القصر الجمهوري، سأله عمر سليمان إذا كان يريد السفر إلى أي دولة، لكن مبارك أجاب: "لا، أنا ما أجرمتش في حاجة، وعاوز أفضل هنا في وطني، وهاعيش هنا لحد ما أموت". ويضيف المناوي "تم وضع كاميرا في قاعة بالقصر الرئاسي، كي يتمكن عمر سليمان من قراءة بيان التنحي، الذي استغرق 37 ثانية فقط، أعلن خلالها نهاية عصر مبارك، الذي دام 30 عاماً". ويقول سليمان عن كواليس تلك الساعات "في يوم 10 فبراير 2011 قبل منتصف الليل ألقى الرئيس بياناً فوضني فيه في اختصاصاته مع تشكيل لجنة لتقصي الحقائق في موقعة الجمل، ولجنة أخرى لإجراء تعديلات دستورية، ولجنة ثالثة لتقصي الحقائق في قتل المتظاهرين، ولكن هذا البيان لم يلق قبولاً شعبياً، وكان هناك إصرار على رحيل الرئيس وتخليه عن السلطة فاختار الرئيس يوم الجمعة 11 فبراير 2011 أن يتخلى عن منصب رئيس الجمهورية، وتكليف المجلس الأعلى للقوات المسلحة لإدارة شؤون البلاد بناءً على طلب مني لتدهور الموقف الأمني في كل ميادين جمهورية مصر العربية، على أن تتم إذاعة نبأ التخلي بعد سفره إلى شرم الشيخ صباح يوم الجمعة. وفي حوالي الساعة الخامسة قرأت عليه في التليفون بيان التخلي، فوافق عليه وقمت بإذاعته من خلال التلفزيون، حيث لاقى قبولاً شعبياً عارماً، وفي يوم 12 فبراير 2011 قمت بتوقيع قرار التخلي عن الرئاسة بصفتي نائب رئيس الجمهورية في ذلك الوقت". خير الله.. خزينة معلوماتية ثاني رجال الاستخبارات، والذي بدأ بالفعل رحلة ترشحه لمنصب رئاسة مصر هو الفريق حسام خير الله، رئيس هيئة المعلومات والتقديرات ووكيل جهاز الاستخبارات العامة المصرية الأسبق، والذي يؤمن بأن فرصه في الفوز بالرئاسة في تزايد، مؤكداً أنه لم يتفاوض مع أي فصيل إسلامي حتى الآن لدعمه في الانتخابات، وأن هذه الخطوة ستأتي خلال المراحل المقبلة من الانتخابات، نافياً أن يكون مرشح المجلس العسكري، ومعتبراً نفسه "مرشحاً مدنياً ذا خلفية عسكرية". وقد امتدت علاقة خير الله باللواء عمر سليمان لنحو من 14 عاماً. وتشير تفاصيل السيرة المهنية للفريق خير الله الذي أعلن ترشحه لرئاسة الجمهورية في مصر في الثاني من يناير 2012 وسحب أوراق ترشحه في الثاني عشر من مارس الماضي، إلى أنه بدأ حياته ضابطاً بسلاح المظلات، واشترك في حرب اليمن، كما شارك في حرب أكتوبر وحصل فيها على نوط الواجب العسكري من الطبقة الأولى، وتدرج في المناصب حتى أصبح قائدا لكتيبة المظلات، والتحق بهيئة المعلومات والتقديرات بالاستخبارات العامة عام 1977 حيث تدرج في المناصب حتى أصبح رئيساً لنفس الهيئة في عام 2000 وحتى عام 2005. قطب.. بائع اللب ثالث الشخصيات الاستخباراتية والذي سحب بالفعل استمارة الترشح لرئاسة الجمهورية هو اللواء ممدوح قطب المدير العام الأسبق بجهاز الاستخبارات العامة، والذي يربط بين إحالته على المعاش وبين رفضه توريث الرئيس السابق مبارك الحكم لابنه جمال، مضيفاً "من يعمل في المخابرات، يعمل لصالح مصر وليس النظام، وخروجي على المعاش كان بسبب قناعاتي ضد التوريث، ومن خلال عملي اكتسبت الكثير من المهارات الحياتية والخبرة بالقضايا المصرية، حتى إنني بعت اللب وكان مكسبي 100%". ويضيف "أخشى على مصر من مخطط التقسيم الذي يراد بها، ما بين عسكر ومدنيين، ومسلمين وأقباط، وسنسعى لتوحيد كلمتنا حتى نستطيع اتخاذ قرارات مؤثرة فعلياً". وامتدت خدمة قطب في الجيش بداية من عام 1975 وحتى عام 1982، وبعدها التحق بالعمل بجهاز الاستخبارات العامة حيث بقي بها حتى عام 2007. وأثناء عمله في الاستخبارات المصرية، ركز قطب على ملفات بلدان حوض النيل وعملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية. وشارك قطب في "عملية ردع القذافي عام 1977"، وتولى تمثيل مصر في سفاراتها بكل من جيبوتي والقرن الأفريقي ثم في إسرائيل خلال فترة إقامة السلطة الفلسطينية، ثم في العراق عقب سقوط صدام حسين، حيث اختطف عام 2004 بواسطة المقاومة العراقية قبل أن يتم الإفراج عنه بعد جهود مكثفة من جانب أجهزة الاستخبارات المصرية، حيث وضعت مصر الرسمية والاستخباراتية كل ثقلها آنذاك لاستعادة قطب من أيدي خاطفيه. الجيش.. ذراع الدولة ولا يقتصر أمر ترشح شخصيات ذات خلفية عسكرية لانتخابات الرئاسة المصرية عند حدود القيادات السابقة بالاستخبارات المصرية، وإنما هناك قيادات أخرى تخوض غمار الانتخابات معتمدة على تاريخها العسكري. ويتصدر قائمة هؤلاء الفريق أحمد شفيق البالغ من العمر نحو 71 عاما، حيث تولى شفيق رئاسة أركان القوات الجوية المصرية في عام 1991، وعين قائداً لها في أبريل من عام 1996، واستمر في هذا المنصب 6 سنوات، وهي أطول فترة لأي قائد للقوات الجوية المصرية، قبل أن يعين وزيراً للطيران المدني في عام 2002. وهو المنصب الذي احتفظ به حتى كلفه الرئيس السابق حسني مبارك بمنصب رئاسة الوزراء في 29 يناير 2011، وبعد تنحي مبارك عن الحكم وتسلم المجلس الأعلى للقوات المسلحة للسلطة في 11 فبراير سقطت حكومته، إلا أن المجلس الأعلى قرر استمرار عمل حكومته لتسيير الأعمال وذلك حتى يتم تشكيل حكومة جديدة. وفي 3 مارس 2011 تقدم باستقالته للمجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم، وذلك قبل يوم واحد من مظاهرات مليونية دعت لها عدة حركات شبابية على رأسها حركة شباب 6 أبريل وائتلاف شباب الثورة من أجل الإطاحة بحكومته والتي اعتبروها من بقايا نظام مبارك. وقد برز اسم شفيق كأحد الأسماء المرشحة لخلافة مبارك في رئاسة مصر أثناء حكم الرئيس السابق، وهو ما عبرت عنه صحيفة وول ستريت جورنال في تقرير لها تحت عنوان "منافس جديد يبرز في مصر" نشرته في ديسمبر من عام 2010، وأشارت الصحيفة في تقريرها إلى أن "شفيق يأتي ضمن مجموعة محدودة نسبياً من الجنرالات المتقاعدين الذين قدموا أدواراً مدنية مؤثرة". ويعتز شفيق بسجله العسكري، ويرى أن حكم العسكر يختلف في مفهومه العام عما يتردد في وسائل الإعلام المصرية، فحكم العسكر له قوانينه الخاصة التي تختلف عن كون الشخص المرشح "ذا خلفية مهنية عسكرية"، ولا يرى شفيق أي عيب في استشارته للمشير طنطاوي قبل قرار ترشحه للرئاسة، حيث يدافع عن تلك الخطوة قائلاً "لماذا نتناسى العنصر الإنساني والقيم المشتركة بين الأشخاص الذين عاشوا معاً طوال 20 عاماً؟ فهل عندما أترشح للرئاسة لا آخذ رأي المشير طنطاوي؟ أنا أسمع جميع الآراء، والمشير صديق وأخ وزميل"، مضيفاً "أنا مرشح مدني ولا أمثل المؤسسة العسكرية، وأي رئيس مدني سيمنح الجيش ضعف الامتيازات الحالية، فالجيش هو الذراع القوية للدولة". بطانة مدنية كما يبرز اسم اللواء أركان حرب محمد علي بلال (76 عاما)، الذي شغل منصب نائب رئيس أركان القوات المسلحة المصرية، وكان قائداً للقوات المصرية في حرب عاصفة الصحراء، المعروفة باسم حرب الخليج الثانية. وكان له كثير من الأعمال العسكرية البارزة من خلال مشاركته في عدد من الحروب، حيث شارك في حرب 1956 كقائد لسرية مشاة ميكانيكية، وشارك في حرب اليمن كرئيس لعمليات كتيبة، وكان أركان حرب عمليات لواء في حرب 67 ورئيس عمليات فرقة في حرب 73، ثم قائد مجموعة عمليات سميت باسمه "مجموعة عمليات بلال". ويؤكد بلال على ضرورة "التفريق ما بين المؤسسة العسكرية ككيان له تقديره واحترامه وما بين الأفراد الذين يخرجون للحياة العامة منها، كالرؤساء الثلاثة السابقين"، مضيفاً " البطانة المدنية التي كانت محيطة بالرؤساء السابقين هي من أفسدتهم وأفسدت سنوات حكمهم، والدليل على ذلك أن 90% من المعرضين للمساءلات القانونية بتهم الفساد بعد سقوط نظام مبارك هم من المدنيين، وهذا يعني أن أي شخص سيأتي كرئيس، سواء كان مدنياً أو عسكرياً عليه أن يختار بطانته وأن يعرف تماما حدوده". ويؤمن بلال بأن "إلغاء اتفاقية كامب ديفيد يضر مصر"، مضيفاً "لكنني سأعمل على تعديلها بشكل يتوافق مع المصالح المصرية، فأنا أعترف أن الاتفاقية تقلل من سيادة مصر على سيناء ولكن إلغاءها ضرر على مصر، أما مسألة التطبيع فهي محسومة تماما لي وللشعب المصري، وهي لا للتطبيع مع إسرائيل، فعلاقات الدول لا يجب أن تسري على علاقات الشعوب، وهذا أمر غير قابل للنقاش"، حسب قوله. أربعة رؤساء بالزي العسكري يذكر أنه منذ ثورة 23 يوليو 1952، حكم مصر أربعة رؤساء جميعهم كانوا ينتمون للمؤسسة العسكرية، الأول كان الرئيس محمد نجيب الذي تولى حكم مصر في أعقاب الثورة، وانتهى حكمه فعلياً في نوفمبر من عام 1954، عندما فوجئ أثناء دخوله قصر عابدين بضباط البوليس الحربي، والذين اقتادوه إلى فيلا المرج التي ظل حبيسا بها حتى عام 1982، حيث نقل إلى شقة أخرى ظل بها حتى وفاته عام 1984. والثاني كان الرئيس جمال عبد الناصر الذي تولى حكم مصر من 1954 حتى وفاته سنة 1970، وكان مشهد نهاية حكمه أحد أشد المشاهد مأساوية في تاريخ مصر الحديث، حيث توفي وهو يحاول لملمة شتات الانقسام العربي، بعد جرح سبتمبر الأسود الذي تفجر في معركة دامية بين الفلسطينيين والعاهل الأردني الراحل الملك حسين في عام 1970، وسقط عبد الناصر ضحية الإجهاد والتعب في أعقاب قمة عربية طارئة دعا إليها لمعالجة المشكلة، وكان آخر ظهور له في مطار القاهرة وهو يودع الرؤساء العرب قبل ساعات من الوداع الأخير لشعبه له. أما الرئيس السادات فتولى حكم مصر في الفترة من 28 سبتمبر 1970 وحتى 6 أكتوبر 1981، ولقي حتفه برصاصات مباغتة يوم احتفاله بذكرى حرب السادس من أكتوبر 1981. والمفارقة أن "الإسلاميين" الذين ساعدهم ليقفوا بقوة أمام صعود التيار اليساري هم أنفسهم الذين أنهوا حياته وأطلقوا عليه هذه الرصاصات وهو يستعرض بزيه العسكري مراسم الاحتفال الذي أعدته القوات المسلحة التي طالما افتخر السادات بانتمائه إليها. أما رابع رؤساء مصر والذين كانوا جميعهم من أبناء المؤسسة العسكرية فكان محمد حسني مبارك الذي حكم مصر بداية من 14 أكتوبر 1981 وحتى إجباره على التنحي عن السلطة في 11 فبراير 2011 في أعقاب ثورة 25 يناير التي وضعت حداً لثلاثة عقود من حكمه.