باستثناء فضائيات قليلة تحترم شاشتها وجمهورها، يمكن اختزال واقع الفضائيات العربية إلى توجهين أو خطين نقيضين لا ثالث لهما. هذان النقيضان اللذان يعكسان تبايناً شديداً يضمران معركة صورية خفية بين عقليتين أو ذهنيتين، يمكن تبيان ملامحها لدى التنقل بين الأقمار. فمن جهة، هناك القنوات الدينية الملتزمة بأداء إعلامي متزمت، شديد الانغلاق. وحتى من دون الخوض في مضامين ما يقدم على هذه القنوات التي اقفل بعضها أخيراً، فإن الشكل يفصح عن الكثير... إذ تمنع هذه القنوات «إشراك عناصر نسائية صوتاً وصورة في تقديم البرامج»، وتتجنب استخدام المؤثرات الصوتية الموسيقية في الفواصل والفقرات المختلفة، ناهيك عن الاستوديو الكئيب الذي يفتقر الى أي لمسة جمالية. فالعبرة، هنا، تكمن في الصوت لا في الصورة. على المتلقي أن يتلقى الوعظ والتعليمات والتوجيهات والوصايا والأوامر والنواهي في قالب شكلي متقشف، وبأقل مقدار من التلوين والإضاءة كي لا يُشتت انتباهه لدى استماعه الى الخطاب الديني الصارم. في مقابل هذا الخطاب، ثمة من جهة ثانية، تلك القنوات الغارقة في اللهو والتسلية والمرح. هذه المفردات المحببة والمطلوبة، تترجم على نحو سطحي؛ مبتذل، وتقدم عبر شاشة فاقعة الألوان، مزدحمة بأكسسوارات لامعة لا لزوم لها، بينما لا تنقطع تلك الايقاعات الموسيقية الصاخبة، وهي تستعين على الدوام بمذيعات يتقنّ فنون الغنج والدلال لتحقيق هدف مبهم يصعب تحديده ومعرفته. إزاء هذا التناقض الذي لا يترك للشاشات الجادة سوى مساحة قليلة، ثمة سؤال مشروع حول سبب الذهاب الى الأقاصي؟ وحول الهدف من هذه المبالغات على الطرفين: فإما «الانحلال والابتذال»، وإما «التزمت والتقوقع»! ألا يمكن العثور على حلول وسط بحيث تتنازل القنوات الدينية عن هذا «الوقار المفتعل»، وكذلك الحال بالنسبة الى قنوات المنوعات المملة التي عليها ان تدرك ان توظيف الشاشة لنكات وأغان ومسابقات سخيفة هو تشويه لواقع حافل بمواد اعلامية جذابة من دون ان يلغي ذلك، بالضرورة، هدفها المزعوم في الترفيه والتسلية. لن نتحدث هنا عن الإعلام ورسالته والارتقاء بذائقة الجمهور، وغير ذلك من الشعارات والكليشهات المكررة، التي لا معنى لها. لكن الواضح ان اموالاً طائلة تصرف لأجل تكريس صورة مشوهة عن الواقع عبر برامج هابطة المستوى، ونعتقد انه وبقليل من الاهتمام يمكن تصحيح هذا الأداء الإعلامي كي لا نصل الى ظرف يحنّ فيه المتلقي الى تلفزيونه الرسمي الموجّه.