علمت «الحياة» أن خلافات عميقة دبت بين قوات الجيش العراقي ومقاتلي عشائر بلدة حديثة غرب الأنبار بعد محاولات حكومية لتحييد العشائر التي اتهمت بدورها جهات سياسية وأمنية بالتخلي عنها بعدما حاربت تنظيم «داعش» وحافظت على بلدة حديثة من السقوط بيد التنظيم. وحاصر «داعش» بلدة حديثة طيلة عامين وهي المدينة الوحيدة التي فشل في اقتحامها إثر تنسيق بين قوات الجيش وأفواج عشائر الجغايفة في المدينة وطيران التحالف الدولي، حتى تمكّنت عملية عسكرية واسعة لقوات الأمن من فك الحصار عن المدينة الصيف الماضي. وقال محمد الجغيفي، أحد مقاتلي عشائر حديثة، في اتصال مع «الحياة»، إن «قوات من الجيش قادمة من الرمادي حاولت تحييد مقاتلي عشائر المدينة وقطع الرواتب عنهم ومنع تعويض ذوي عشرات الشهداء سقطوا خلال صد هجمات داعشية على القضاء طيلة العامين الماضيين». وأضاف أن «الحكومة عيّنت بعض الضباط الجدد لإدارة الملف الأمني في حديثة وضواحيها قبل أسبوعين، وسرعان ما دبت الخلافات بين مقاتلي العشائر من أهالي المدينة، وأبلغوا عناصر نقاط التفتيش من العشائر في الضواحي بالانسحاب لتحل محلها قوات أمنية تبين أنها فاسدة وتقوم بأخذ إتاوات من شاحنات البضائع الداخلة». ولفت الجغيفي إلى أن «وجهاء المدينة عقدوا اجتماعاً قبل يومين توصلوا فيه إلى نيتهم فك ارتباط التشكيلات العشائرية المحلية بأي سلطة عسكرية أو حكومية، والعمل في شكل منفرد لحماية القضاء ومنع تكرار سيناريو سقوط مدن الأنبار عندما انسحب الجيش منها ليترك الأهالي ضحية لتنظيم داعش». وزاد أن «وجهاء المدينة اتهموا هيئة الحشد الشعبي في بغداد بالتخلي عنهم بعد الإشادة بتضحيات مقاتلي عشائر حديثة ووعود بدعمهم، فيما تعود الأمور إلى ما كانت عليه إبان هجوم داعش، إذ عاد ضباط من الجيش متورطون بالتخلي عن مسؤولياتهم العسكرية وانسحابهم من القتال». إلى ذلك، حذر مسؤولون وشيوخ عشائر من انتشار مكاتب أمنية تابعة إلى تشكيلات عشائرية مقاتلة في بلدات الرمادي والفلوجة وهيت والخالدية لتعويض النقص في عدد قوات الجيش والشرطة المحلية، ولفتوا إلى أن الكثير من هذه المكاتب يتشكل بلا ضوابط ومن دون علم السلطات المحلية. وتمكّنت قوات الأمن العراقية الصيف الماضي من استعادة السيطرة على بلدات الرمادي والفلوجة والرطبة وهيت وكبيسة في الأنبار بعد معارك شرسة مع تنظيم «داعش»، لكنها اصطدمت في معضلة غياب قوات محلية موثوقة لفرض الأمن في المدن بعد انهيار قوات الشرطة المحلية. وقال عبدالمجيد الفهداوي، أحد شيوخ عشائر الرمادي ل «الحياة»، إن غياب قوات الشرطة المحلية التي انهارت بعد احتلال «داعش» المدينة ورفض الحكومة إعادتهم إلى الخدمة خشية اختراقهم من قبل «داعش»، دفع العشائر إلى تشكيل قوات من أبنائها لحماية مناطقها. وأضاف أن «تشكيل الأفواج العشائرية يخضع إلى آلية إدارية عبر مجلس المحافظة وقيادة عمليات الجيش في المحافظة تتضمن عدد المقاتلين وتخصيص الأسلحة والرواتب لهم والمهام المناطة بهم ضمن رقعة جغرافية يتم تحديدها بالتنسيق مع قيادة العمليات». ولكن الفهداوي أشار إلى وجود بعض التشكيلات العشائرية التي تأسست من دون ضوابط وتستخدم نفوذها المناطقي في طرح نفسها كقوة عسكرية مستغلة الفراغ الأمني في تغطية جميع المناطق والأحياء المحررة، خصوصاً تلك الواقعة عند الضواحي وفي مناطق صحراوية. وانسحبت قوات كبيرة من الجيش العراقي من الأنبار قبل ثلاثة أشهر للمشاركة في الحملة العسكرية لاستعادة الموصل، فيما أصبح مقاتلو العشائر القوة الأساسية في المحافظة التي لا تزال ثلاثة من بلداتها محتلة من قبل «داعش»، وهي عانة وراوة والقائم. ودفع إقرار قانون «الحشد الشعبي» في البرلمان الشهر الماضي العديد من السياسيين والمسؤولين المحليين في الأنبار وغيرها إلى تشكيل قوات عشائرية مسلحة لدمجها ضمن قوات الحشد بعدما خصص نسبة مقاتلي العشائر فيها نحو 40 ألف عنصر، فيما لا يزيد عدد المقاتلين الحاليين على 20 ألف مقاتل.