في مثل هذه الأيام من العام الماضي شهدت هوليوود ضجة لا سابق لها في تاريخها. كان غضب الأميركيين الأفارقة مشتعلاً والتهديد بمقاطعة حفلة توزيع الأوسكار (جوائز الأكاديمية) على كل شفة ولسان. إعلام العالم كله انشغل يومها بتلك المسألة وراح المحللون والمؤرخون الفنيون وغير الفنيين يتسابقون لدراسة تاريخ هوليوود وجوائزها. البعض أيّد السود في موقفهم، آخذاً على عاصمة السينما العالمية عدم اهتمامها بهم وقلّة ترشيحها مبدعيهم لجوائز الأكاديمية، فيما استنكر البعض الآخر الضجة التي يحدثونها، ووقف آخرون بين بين. يومها تدخّل البيت الأبيض الذي كان شاغله واحداً من أولئك الأميركيين الأفارقة الذين يرون أن من غير المنطقي تحمّلهم الغبن حتى في السينما، التي يشكلون منذ زمن بعض أعمدتها وأكبر نجومها. يومها لم يبدّل الغضب شيئاً، فما حدث حدث وغابت الأسماء والأدوار، ولو نسبياً، عن الشاشات وعن الجوائز. وما أن انقضت شهور قليلة حتى نُسيت الحكاية وانشغل الأميركيون بما بدا لهم أكثر أهمية: الإرهاب وموقع أميركا في العالم المتغيّر، ثم الانتخابات الرئاسية التي اعتبرت هوليوود أن احتمال فوز دونالد ترامب فيها يشكل نكسة لكل ما تعنيه الثقافة الأميركية، بما في ذلك السينما. ولاحقاً ما أن انجلى غبار المعركة الرئاسية حتى عاد الضجيج حول هوليوود وجوائزها يستشري من جديد. ووضع كثر أيديهم على قلوبهم في انتظار تأثير وصول أكثر الرؤساء يمينية في التاريخ الأميركي الحديث إلى سدة الرئاسة، على الأقل في ترشيحات الأوسكار. وهنا كانت المفاجأة المدهشة: أظهر إعلان الترشيحات سابقة نادرة في تاريخ السينما الأميركية، إذ لم يسبق للأفلام «السوداء» المرشحة وأسماء العاملين فيها أن بلغت في تاريخ هوليوود مثل هذا العدد. وبدا الأمر لافتاً إلى درجة أن أحد المعلّقين رأى أن من حق البيض أن يحتجوا هذه المرة، ليس فقط من كثرة الفنانين السود وأفلامهم، بل من التنوُّع الغريب في جنسيات الأفلام وجنسيات أصحابها، وحتى أعراقهم. ففي مجال الممثلين وحدهم، ثمة ستة ترشيحات لفنانين سود، وهو رقم غير مسبوق، حيث ثمة ما لا يقل عن ممثل أو ممثلة في كل فئة من فئات التمثيل بما في ذلك ثلاث ممثلات سوداوات من بين الخمس المرشحات لأفضل دور ثانوي (فيولا دايفيس، نعومي هاريس وأوكتافيا سبنسر) ومرشحة لجائزة أفضل ممثلة (هي الرائعة روث نيغا في فيلم «لافنغ»)، إضافة إلى ثلاثة كتّاب سيناريو من بين المرشحين لجائزة أفضل سيناريو مقتبس، فإذا أضفنا إلى هذا وجود مخرج أسود (هو باري جنكنز مخرج «مونلايت») كمرشح لجائزة أفضل مخرج للمرة الرابعة فقط في تاريخ الجوائز، سنجدنا أمام وضعية استثنائية لم يسبق لهوليوود أن عرفتها. وهذا ليس كل شيء، ففي مجال إدارة التصوير رُشّح برادفورد يونغ (عن فيلم «الوصول» للكندي الفرنكوفوني ديني فيلنوف) بين خمسة آخرين، كما رُشِّح جوي ماكميلون لجائزة أفضل مؤلّف عن فيلم «مونلايت»، علماً أن الأخير هو واحد من بين ما لا يقلّ عن ثلاثة أفلام مرشحة لجائزة أفضل فيلم، مواضيعها تدور حول عالم السود، سواء كانوا أميركيين أفارقة أم لا، وهذه ال «لا» تشمل تنوعاً في المواضيع يصل إلى حد تقدُّم نيوزيلاندا إلى جائزة أفضل فيلم، بفيلم عن صبي هندي أضاعته أمه (فيلم «أسد»). إلى جانب فيلم الخيال العلمي ذي الطابع الفلسفي «الوصول» للكندي الفرنكوفوني ديني فيلنوف، وفيلم «وجوه مخفية» الذي يمكن اعتباره من أكثر الأفلام اتهاماً للمؤسسة الأميركية بالتمييز العنصري. وإذا كانت الفرص ستتاح لنا على صفحات «الحياة» للعودة التفصيلية إلى هذا كله، لا بد من أن نتساءل هنا على سبيل الختام، عما جعل الفارق كبيراً في هذا المجال بين هذا العام الاستثنائي في حضور التنوع والعام الماضي الذي كان استثنائياً في غيابه: هل هو الخوف الهوليوودي من تجدد غضب الأميركيين الأفارقة؟ أم هو التكاثر الملحوظ في عدد الأعمال الهوليوودية المتنوعة هذا العام؟ أم أن هوليوود أرادت أن تغيظ شاغل البيت الأبيض الجديد بكل هذا الصخب الملوّن والأجنبي الذي يُقلق نومه ويقول له إنه أخطأ العنوان؟