أجمع عدد من ضيوف المهرجان الوطني للتراث والثقافة، الذي يواصل فعالياته في الجامعات السعودية، على أهمية الثقافة في رأب الصدع وتجسير الفجوة بين الفرقاء، موضحين في استطلاع ل«الحياة» أن «الجنادرية» استطاع أن يجمع مثقفين ينتمون إلى مختلف المشارب والجنسيات. وقال الدكتور أحمد الهلالي إن الثقافة تألقت خلال فعاليات مهرجان الجنادرية للتراث والثقافة 31، «ما يؤكد أنها بالفعل قادرة على رأب الصدع بين دولنا العربية، إذ جمعت عشرات المثقفين من الدول العربية والإسلامية، الذين تحاوروا وتبادلوا وجهات النظر»، لافتاً إلى أن الثقافة «أسهمت في رأب الصدع بين المثقفين أنفسهم، وكذلك على مستوى الحكومات والشعوب». وقال الهلالي: «يستضيف العام الحالي مصر الشقيقة ضيف شرف للمهرجان، كما يستضيف كل عام دولة مختلفة، ما يؤكد أن الثقافة قادرة على أن ترمم بعض الشقوق الموجودة على المستوى السياسي، وفي الوقت ذاته تؤسس لثقافة عربية مشتركة، وهو توجه قومي موجود في الخطابات النخبوية والثقافية العربية». وبين أن «الجنادرية» «نجح في مد جسور ثقافية تربط العالم العربي ببعض، ما يمنحنا جرعات من التفاؤل بمستقبل الثقافة في دولنا»، مشيراً إلى أن اللحظة التاريخية «التي لن ينساها المشاركون القادمون من دول عدة حول العالم، لقائهم مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز. تشرف المثقفون بالسلام على خادم الحرمين الشريفين، كما أن كلمته في اللقاء مشبعة بالأمل وركزت على الوحدة العربية والتقارب، وأبدى فرحه بأن يجتمع هذا العدد من المثقفين على أرض المملكة». في حين، قال الشاعر المغربي أحمد الحريشي: «إن (الجنادرية) تمكن من جمع أنماط عدة من الثقافة تليق بحجم المملكة وثقلها في العالم الإسلامي، التي يأمل بأن تتحول الثقافة فيها إلى فرض أو حج ثقافي»، كاشفاً أن مشاركته في مهرجان سوق عكاظ في دورات سابقة مهدت الطريق له اليوم ليكون من ضيوف «الجنادرية» ويشارك في أمسياته الشعرية. وأوضح الحريشي أن الثقافة «تسهم في تقريب وجهات النظر وخلق تكتلات حقيقية، لأن هناك مشاريع مشتركة تحاك ضدناً، وإذا لم نتسلح بالوعي تكون حضارتنا آيلة للسقوط وأمة مقبلة على الانقراض». وذكر أن الثقافة «هي الخيارات والاقتراحات الإنسانية التي تشكل اللغة والدين والمعلومات الحضارية، وتشكل منظومتنا في العالم، واللغة مدخل أساسي لتوحيد الشعوب، والدين برمزيته يشكل وحدة روحية تسهم في خلق هذا التكتل ودعم هذه الجسور الممتدة من المحيط إلى الخليج»، مضيفاً أن الأسئلة الثقافية «التي نطرحها الآن هي مسألة مشتركة، الآن نحن في وضع حضاري ومنعطف تاريخي جعل الأسئلة لا تنحصر في دولة بعينها، وربما يكون الرهان التحدي الأمثل، نحن نرفض ثقافة الإقصاء والقمع والاستبداد، وهذا هو مربط الفرس أو فرس الرهان، يجتمع اليوم كم هائل من المثقفين والاقتصاديين والسياسيين يتنافسون ببحث قضايا الأمة، ربما تتبلور فكرة أو مقالة أو مقترح أو موعظة يكون لها بعد بنيوي أو استراتيجي يفضح الحواجز التي تفصلنا». وأشار إلى أن الشعر «يجمعني بأصدقائي وأصحابي في ربوع الوطن العربي، وصهوته تحملني إليهم»، متغنياً بمدينته طنجة، إذ قال: «حين أتحدث عن طنجة لا يمكنني أن اختصر البحر بالبحيرة أو الصحراء في ذرة رمل، الشاعر الذي لا يزرها تبقى قصيدته معاني ناقصة، والرسام الذي لا يرى طنجة تبقى لوحته ناقصة». وعلق الحريشي على اختيار معرض الرياض الدولي للكتاب ماليزيا ضيف شرف بقوله: «إن ربط العلاقات وتوطيدها بين الرياض وكوالالمبور العاصمة الماليزية يشكل دعماً حقيقياً للغة العربية التي قامت عليها لغة الملايو والتي كانت امتداداً للغة الجاوية. فكانت ثانية اثنين، إذ تدرس مع الإسلام وتعاليمه، وخصوصاً ما بعد الاستعمار الإنكليزي وبالضبط في الفترة الثمانينات والتسعينات، إذ دخلت الكثير من القبائل الماليزية في دين الله أفواجاً. هكذا تأتي هذه الاستضافة بقصد الكشف عن إشكالات جديدة وجدية ترتبط بالأقليات وتعايش الديانات والعقائد والتوجهات السياسية في رقعة جغرافية ناهضة وطموحة، في سيرها نحو مجتمع متقدم يستحق التأمل والدرس والتعاون». بدوره، ذكر الباحث التونسي الدكتور عبدالباسط قوادة أن اختيار ماليزيا لمعرض الرياض يدل على حرص السعودية على مد جسور التواصل الثقافي شرقاً وغرباً، «وها هي دولة ماليزيا المعروفة بالاقتصاد والثقافة تتوج ضيف شرف معرض الكتاب الحالي»، موضحاً أنه على رغم بعد المسافات الجغرافية «فإن المجال الفكري والثقافي يعد اليوم من الوسائل الرئيسة لحماية الشعوب والأمم ولتقاربها وتعارفها، وأيضاً من أسباب نبذ مظاهر العنف والتطرف الذي يهدد المنطقة».