لا تكاد جريدة جزائرية أو تقرير تلفزيوني يخلو من الحديث عن الأزمة الاقتصادية التي ضربت العالم، بخاصة أوروبا التي توجد على مرمى حجر من الجزائر، ولا يكاد حديث الناس يخلو من الإشارة الى ما يحدث في فرنسا وألمانيا وإيطاليا، ومع ذلك يشير البعض بتعجب إلى استمرار ازدحام المواطنين في أماكن التسوق وعدم انقطاع المتعودين عن وكالات السفر طلباً لرحلة الى تركيا أو إقامة في تونس، بينما يقل الحديث عن الذين قرروا استبدال عطلهم بدوام جديد، بخاصة أن المهرجانات التي يحتضنها البلد والشواطئ باتت مؤسسات تشغيل موسمية، وهو ما جعلنا نتساءل عن مدى تأثر الجزائريين، بخاصة الشباب منهم بالأزمة؟ تضيق عينا إلهام ويرتفع حاجباها تعجباً من سؤالنا حول أثر الأزمة الاقتصادية على مشاريعها الصيفية، وهي الطبيبة العاملة في صندوق الضمان الاجتماعي، فتجيب بتلقائية وتهكم: «نحن نعيش في أزمة دائمة ولا أتذكر أننا عشنا غير ذلك، لذلك أعتقد أننا تأقلمنا وتعودنا على التخطيط للمشاريع في الضيق»، تتوقف لحظة ثم ترسم ابتسامة على وجهها قائلة: «أعتزم قضاء أسبوع في تونس ولن تحرمني الأزمة العالمية من ذلك». وليست إلهام مثالاً معزولاً بل أنها واحدة من الأشخاص الذين يترددون كل صيف على الجارة تونس والذين بلغ عددهم السنة الماضية المليون سائح. بدا الحديث عن الأزمة الاقتصادية غريباً على مضيفة وكالة «ماجلان تور» التي راحت تقدم ما «بقي» من عروض الحجز في تونس: «لقد تأخرتم قليلاً فالحجوزات بدأت مبكراً هذا العام بسبب شهر رمضان» ثم واصلت «تركيا والمغرب اتجاهان يلقيان اهتماماً متزايداً ولولا سعر تذكرة الطائرة لاحتلا المراتب الأولى». ولم تتحدث عن أي جديد في نشاط الوكالة إلا توقيت الحجز، وتوقع ضعف الإقبال على العطلة خارج البلد مقارنة بالسنة الماضية بسبب الشهر الفضيل الذي يحل هذا العام في شهر آب (أغسطس). يفضل الشباب الجزائريون السفر عندما يكون ذلك ضمن إمكاناتهم وإلا فإن الشواطئ المحلية الجميلة ملاذهم، وقد باتت اليوم مصدر رزق عدد كبير منهم سواء في الحراسة أم التنشيط أم الخدمات، وهي حال الشاب سعيد الذي قال إنه في عطلة دائمة طوال السنة لذلك يرحب بالعمل الموسمي، بل إن الصيف هو موسم العمل بالنسبة إليه، كما قال، ويتوقع سعيد أن يعمل حارساً على أحد الشواطئ الثمانية عشرة في ولاية بومرداس الواقعة شرق العاصمة الجزائر، إذ توظف الولاية سنوياً عدداً كبيراً من الحراس ويقول: «سبق لي أن عملت بالحراسة السنة الماضية» ويشرح أن مهمته كانت حراسة المصطافين والتأكد من عدم تعرضهم لأية مضايقات وحماية ممتلكاتهم، كما يوظف الخواص المستفيدون من حقوق الامتياز على بعض الشواطئ، إضافة الى الحراس، ندلاء ومضيفين. أما محمد علي فيعمل أستاذاً في مدرسة ابتدائية وقد اشتكى من ضعف الراتب وقال إنه يسعى إلى العمل، بخاصة على الشواطئ، لتأمين مبلغ من المال، ولذلك شارك السنة الماضية في دورة للإسعافات الأولية مع الهلال الأحمر الجزائري وهو يشارك حالياً في دورة لمنشطي ألعاب مع 40 شاباً آخر نظمتها مديرية الشباب والرياضة، سيعملون على تنشيط المخيمات الصيفية التي تجمع مئات الأطفال في كل موسم اصطياف. بينما يعتبر عمر، الطالب في المعهد الجزائري للبترول في ولاية بومرداس، العمل هذا الصيف مختلفاً ومغرياً، فالتظاهرات التي يحتضنها البلد هذا العام تدعو إلى تغيير برنامج العطلة، مثل مهرجان الوحدة الأفريقية الذي يطمح إلى الظفر بعمل فيه كمرشد أو مضيف أو مرافق لبعض الوفود. ويقول إنه لا يعمل فقط من أجل المال ولكنه يريد العمل لأنه يتوقع أن تقدم له الألعاب الأفريقية فرصة التقرب من الأجانب والتعرف الى الضيوف: «أريد العمل للمتعة ومن دونها ما كنت إلا لأفكر في قضاء كل العطلة على شاطئ البحر». لا مكان للأزمة الاقتصادية في أجندات الشباب الذين تحدثنا إليهم وإن كان لكل أزمته الاقتصادية الخاصة، فقد تمنع المداخيل المحدودة كثيراً من الشباب من الذهاب في عطلة وقد تضطرهم إلى العمل، تقول لمياء العاملة في جريدة فرانكوفونية جزائرية. وتضيف أن الحديث عن الأزمة جاء من جانب الشباب المهاجر «وقد سمعت عن عدد غير بسيط من الشباب الذين عادوا من فرنسا وإيطاليا بسبب شح الموارد وانعدام العمل... لا بد من أنهم غيروا حياتهم كلها وليس أجندات عطلهم فقط بسبب الأزمة الاقتصادية». ويبقى أن أثر هذه الأزمة على اتجاه الأعداد الكبيرة من شباب المهجر الجزائريين ستظهر مع الأرقام التي ستنشرها الوزارات المختلفة عند نهاية الموسم السياحي في الجزائر.