أثارت فتوى «اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء» السعودية بتحريم عمل المرأة ك بائعة «كاشير»، جدلاً واسعاً في الصحافة السعودية. وواجهت «لجنة الإفتاء» حملة صحافية، ونشر بعض الصحف أمس فتاوى سابقة تجيز عمل المرأة ما أوقع مؤسسة الإفتاء في تناقض. الفتوى تجاوزت في تأثيرها عمل المرأة، وكشفت عن حال سعودية لم يعرفها السعوديون على هذا النحو سابقاً. الفتوى صدرت، الصحف رفضت، والمجتمع دخل في جدل، والمؤسسات الرسمية المعنية بعمل المرأة لم تتبنَّ الفتوى ولم ترفضها. هذه الحال الجديدة على السعودية في تعاملها مع الفتوى، اعتبرها بعضهم دليلَ عافيةٍ، وتعدديةٍ في الآراء، وتسامح وسعة أفق. وهي كشفت حيوية اجتماعية وفكرية، كان بعضهم يعتقد أنها غير موجودة في المجتمع السعودي. هذه الحال استنطقها خالد الدخيل بطريقة سياسية ذكية وعميقة، في مقال نشر أمس في جريدة «الحياة» بعنوان «عندما تفترق المؤسسة الدينية عن الدولة»، وكتب فيه ان «الدولة التي لا تتسع إلا للفقيه تجاوزها التاريخ. تغيّرت الدولة. تطورت في مؤسساتها، وعلاقاتها، وفي رؤيتها أيضاً. رؤية الفقيه لم تعد تتسع لرؤية الدولة ولسياساتها ومصالحها». ولكن، هل تكفي هذه الحيوية الفكرية والاجتماعية من دون دعمٍ من علماء دين لهم رأي مختلف؟ المثير أن بعض المحسوبين على المؤسسة الدينية، يرى أن اللجنة استعجلت في إصدار فتوى «الكاشير»، والمرأة في رأيه موجودة على الطرف الآخر مشترية، فلماذا يفرض عليها رجل «كاشير». ويقول، لو ان السؤال الذي اثار القضية جاء على النحو الآتي: هل يجوز تخصيص «كاشيرات» في الأسواق التجارية لخدمة النساء؟ ترى ماذا سيكون الجواب؟ آخر يرى أن الجانب المفقود في جدل الفتوى هو ان التحسب أو سد الذرائع ليس وظيفة الفقيه، بل هو وظيفة وليّ الأمر، وهو عمل السياسات العامة، ولا شأن للفقيه فيه. هذه بعض الآراء التي تقال من فقهاء وطلاب علم شرعي، لكنها لا تظهر للعلن. يأبى أصحابها الجهر بها خشية غضب بعض المحسوبين على الفتوى. إذا تحرر المجتمع من هذه الازدواجية فستتسع رؤية الفقيه لرؤية الدولة. سيصبح الفقيه في حال انسجام مع الدولة الحديثة.