أثارت الأمطار التي هطلت على مدينة مكةالمكرمة الثلثاء الماضي هواجس سكان المنطقة كافة من أخطار السيول، خصوصاً جهة ترجيحها كفة المرصد الروسي الذي كان تنبأ أخيراً بتعرض المنطقة إلى أمطار غزيرة وحدوث فيضانات في مدينة مكة تحديداًً خلال موسم الحج، مقابل الكفة الثانية التي تحمل نفي الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة البات لتلك التنبؤات. وأمالت الأمطار الأخيرة سكان منطقة مكةالمكرمة إلى قبول -إن لم يكن تصديق- التنبؤات الروسية، خصوصاً في ظل أحاديث بعض سكان العاصمة المقدسة عن شدة الأمطار التي هطلت، ومرور سنوات على مشاهدتهم مثلها، بعد أن كانوا شبه تجاوزوها أو نسوها على أثر النفي الرسمي لها. ودرءاً لهذه الهواجس التي تحوم حول خيالات سكان المنطقة، أصر رئيس قسم الأرصاد مدير مركز التميز لأبحاث التغير المناخي في جامعة الملك عبدالعزيز الدكتور منصور عطية المزروعي، على استبعاد تجاوز الأمطار معدلها الطبيعي على مدينتي جدةومكة هذا العام، مؤكداً أن الدراسات التي أجراها المركز تثبت ذلك، وتنفي ما ذهبت إليه بعض المراصد الخارجية من أنباء حدوث فيضانات أو هطول أمطار غزيرة على المنطقة. وأوضح المزروعي ل «الحياة» عدم تسجيل توقعات المركز لهذا العام تطرفاً مناخياً كالذي حدث العام الماضي، وقال: «تؤكد دراسات المركز أن كميات الأمطار التي ستهطل على مدينة جدة ستكون في نطاق معدلها الطبيعي بين 30 إلى 60 مليمتراً خلال الفترة من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري إلى كانون الثاني (يناير) المقبل، مع عدم وجود أي احتمال لحصول فيضانات على المدينة، وكذلك الأمر بالنسبة لمدينة مكةالمكرمة خلال الأشهر المقبلة أيضا». وأبان أن المراصد الخارجية التي تثير بتقاريرها البلبلة والهلع تعتمد على نماذج تعطي صورة عامة للحال المناخية لفترات تصل إلى ثلاثة أشهر، لكن دقتها ليست عالية، إذ يعود ذلك إلى أن هذه النماذج لا تأخذ في الاعتبار عوامل مهمة عدة في التنبؤ بالحال المناخية. وأضاف: «بالنسبة لهذه التوقعات المقبلة من المواقع الخارجية كالمرصد الروسي لا نعتمد عليها ولا نرفضها، بينما تكون التوقعات التي تصدرها الرئاسة العامة للأرصاد دائماً مبنية على قياسات دقيقة ومتنوعة، ما يعطيها دقة أكثر ومراقبة لحظية لتغيرات الطقس، وهذا ما تفتقده المراصد الخارجية». واعتبر المزروعي أنه من الخطأ اعتماد الشخص العادي على تنبؤات المراصد الخارجية التي تتغير بشكل دوري كل 12 ساعة، إضافة إلى أن بعض تقاريرها قد تكون مضللة أو مضخمة، بينما يتم تجاهل تقارير الرئاسة العامة للأرصاد التي تتزامن نماذجها مع مراقبة ومتابعة ورصد ما يعطيها دقة أكبر من غيرها. وزاد: «بالنسبة لنا كاختصاصيين نستدل بالتنبؤات الخارجية ولا نعتد بها، فهي غير صحيحة حتماً، إلا أن لجوء المواطن العادي إليها لا مبرر له، خصوصاً في ظل جهود الرئاسة في توعية المواطنين وتزويدهم بالمعلومات بشكل مستمر، وبعد التأكد التام منها، والاطمئنان لصحتها». وطالب مدير مركز التميز لأبحاث المناخ المواطنين والمقيمين باعتماد توقعات الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة، إذ إنها لا تصدر نشرة إلا بعد التأكد منها، وصدقيتها أعلى بكثير من صدقية المواقع الأخرى، إذ إنها خاضعة للرقابة والمحاسبة بعكس تلك الجهات. وأكد وجود تعاون متواصل بين جامعة الملك عبدالعزيز والرئاسة في مجال الرصد الجوي، متابعاً: «لدينا أحدث الإمكانات من محطات الرصد الجوية والأرضية، وشبكة رادارات تغطي جميع أنحاء المملكة، وصور أقمار اصطناعية محدثة، ما لا يتوافر لدى كثير من المواقع الخارجية، وهذا يعطينا ثقة كبيرة جداً في توقعاتنا، ويجب على المواطنين اعتمادها لأنها أكثر صدقية». ولفت في ختام حديثة إلى أن عام 2010 كان الأكثر تطرفاً مناخياً على مستوى العالم، إذ شهدت الدول فيه تقلبات مناخية غريبة، فخفضت درجات الحرارة إلى مستويات متدنية جداً لم تحصل منذ فترة طويلة في بعض نواحي أوروبا، وارتفعت كذلك بشكل خطر في أماكن أخرى، مثل اعتدال الحرارة خلال الشتاء في الشرق الأوسط مقارنة بالأعوام السابقة، وكذلك زادت الأعاصير المدارية على بحر العرب، وارتفعت نسبة درجات الحرارة في المحيط الهندي، ومن التطرف المناخي الفيضانات التي حصلت على مدينة جدة وارتفاع درجة الحرارة فيها إلى 52 درجة مئوية، إضافة إلى الفيضانات التي طاولت الرياض في غير موسمها، كما يعتبر العام 2010 العام الأكثر سخونة في الكثير من محطات المملكة.