على مدار أسبوع، ومنذ تولي دونالد ترامب الرئاسة الأميركية، وإسرائيل في حراك داخلي ونقاشات بين مطمئن إلى مستقبل أفضل لإسرائيل وحذر من خطر المغامرة. نقاشات تدور حول السؤال التالي: «ترامب جيد لإسرائيل أم مدمر لها». بالنسبة إلى اليمين ترامب هو السند القوي لإسرائيل والفرصة لتحقيق أهدافها. رئيس حزب البيت اليهودي الاستيطاني، وزير التعليم، يقول إنه «المُخلّص الذي ينتظره الإسرائيليون منذ خمسين عاماً»، أي منذ احتلال 1967، الذي سيضمن القضاء على فكرة الدولة الفلسطينية – «دولة الإرهاب التي حاولوا فرضها في قلب أرض إسرائيل». ودعا رئيس حكومته، بنيامين نتانياهو إلى أن يتوقف عن الخوف ويستغل الفرصة التاريخية للتراجع عن خطاب بار إيلان الذي أعلن فيه حل الدولتين، الخطاب الذي وصفه البعض ب «الخطيئة» والذي يعتقد بنيت أنه فرض فرضاً على نتانياهو. حتى الوزير السابق، جدعون ساعر، الذي تحول إلى نجم صاعد في قيادة الليكود وحصل مرتين على أكبر عدد من الأصوات بعد نتانياهو، لكنه اعتزل العمل السياسي ليتأهب للعودة كمرشح لرئاسة الحكومة في مواجهة نتانياهو من داخل الليكود، وجد في انتخاب ترامب فرصة، وعرض خطة لمبادرة إسرائيلية تقضي على حل الدولتين، وقال: «إن استبدال المناصب في البيت الأبيض (والإسناد الذي يقدمه المجلسان التشريعيان الأميركيان) قد يخلق من أجل إسرائيل مساحة مناورة أوسع كما قد ينجح في تفكيك الإجماع الدولي حول طرح «دولتين لشعبين». وأضاف: «هناك عدد متزايد من الإسرائيليين والفلسطينيين باتوا يفهمون بأن الحديث عن دولتين لشعبين هو شعار فارغ وغير عملي، لأن دولة فلسطينية قزمة في الضفة لن تكون قادرة على البقاء وسيكون جوهرها الوحيد هو استمرار قتال إسرائيل تحت تسمية سياسية محسنة. لن يكون لدى الفلسطينيين لا فضاء اقتصادياً ولا مستقبل، أما الإسرائيليون فلن يحصلوا على الأمن». ساعر وغيره ممن يرون في ترامب فرصة عرضوا الكثير من الأفكار ودعوا نتانياهو إلى بحثها كحل الكونفيديرالية بين الفلسطينيينوالأردن مما سيمنح الفلسطينيين حيزاً إلى جانب استقلالهم الذاتي. خلق إطار اقتصادي إسرائيلي أردني فلسطيني مشترك. ضم معاليه أدوميم ومستوطنات أخرى. وبحسب هؤلاء هنالك أفكار إضافية بالإمكان بلورتها، بالعمل الصامت مع الإدارة الأميركية الجديدة. وفي مقابل هذا يرى هؤلاء أن على إسرائيل أن تكون أكثر وضوحاً في مطالبتها بالسيادة على مناطق C (التي تشكل 60 في المئة من الضفة). ويقولون إنه يوجد أمر واحد واضح: ينبغي استعراض بديل لهذا الطرح الذي يشار إليه وكأنه الحل النهائي. فإن أبقينا فكرة الدولة الفلسطينية حية، فإننا لن نخسر فحسب ساعة الحسم، بل إننا سنضمن في نهاية المطاف أن الضغط السياسي المستمر الممارس ضد إسرائيل سيجبرها على العمل ضد مصالحها. إن نتانياهو يمتلك الحق في وقف هذا الانحدار نحو قاع اتفاقية أوسلو. وفي شهر شباط القريب سيملك الفرصة للقيام بخطوة تاريخية لكي يخرج إسرائيل من المأزق». مواقف عدة طرحها رفاق بنيت ونتانياهو تتحدث عن البعد الاستراتيجي لانتخاب ترامب بهذه الروح. ورئيس الوزراء يذهب أبعد من ذلك ليتحدث عن عهد جديد في التاريخ. ويعتبر كل ما طرح ويطرح في العالم في شأن حل الدولتين هو بمثابة العهد القديم. ويعلن أنه سيوافق على منح الفلسطينيين دولة ناقصة. ويفسر رجالاته هذا النقص على أنه: «الحفاظ على القدس في تخوم إسرائيل وكذلك غور الأردن والكتل الاستيطانية الكبرى والخليل». عملياً، سيقوم في فلسطين حكم ذاتي محدود، تعمل فيه السلطة الفلسطينية أكثر قليلاً من بلدية وأقل بكثير من دولة. وحتى هذه لن يوافق عليها إلا إذا وافق الفلسطينيون على الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية. وفي هذا الجانب يرى ساعر أنه عندما يطرح ترامب مسألة الحرب على الإسلام السياسي في العالم العربي، تتقدم حكومة نتانياهو لاعتبار نفسها شريكة في هذه الحرب. وهذا بالضبط ما يريده نتانياهو منذ اندلاع الحروب الأهلية في الدول العربية». ولكي يطمئن اليمين الإسرائيلي إلى الرئيس الأميركي الجديد ووعوده، باشر إدخاله في الامتحان تلو الآخر. فطالبه بأن يفي بوعده لنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس. وعندما أبدى رجال ترامب بعض التراجع، وقالوا إن قراراً كهذا يحتاج إلى مسار غير قصير وإلى بعض الوقت وإلى فحوص وأبحاث، أدخلوه فوراً إلى الامتحان الثاني فقرروا بناء 566 وحدة سكنية في القدس. وأعلنوا أن هناك مشاريع أخرى للقدس تشمل بناء 11 ألف وحدة سكنية. ثم أعطى نتانياهو أمراً مشتركاً مع وزير دفاعه، أفيغدور ليبرمان، لبناء 2500 وحدة سكنية في الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية. ثم طرحوا فكرة ضم مستعمرة معاليه أدوميم إلى إسرائيل، وبعد ساعات أوضحوا أن معاليه أدوميم ليست وحدها بل ينبغي ضم مستوطنات غوش عتصيون، وهي الممتدة من القدس إلى بيت لحم وحتى تخوم الخليل. وترامب لم يعترض ولم يشجب ويستنكر مثلما فعل سابقه، أوباما. بل قال الناطق بلسانه إنه ينوي بحث الموضوع مع نتانياهو. وقال ترامب في تصريح خاص بصحيفة نتانياهو «يسرائيل هيوم» إن إدارته «تنوي ترميم العلاقات الخاصة بين إسرائيل والولاياتالمتحدة، والعمل على جعل هذه العلاقات التي تقوم على المصالح المشتركة والقيم المشتركة، أقرب مما كانت عليه في الماضي. وإنه يتوقع تطوير علاقات شخصية قريبة مع نتانياهو، كجزء من الجهود المشتركة لتحقيق السلام والازدهار والأمن». لكن في المقابل هناك تيار إسرائيلي لا يتحمس لترامب ويعتبره «مقلباً» وقعت فيه السياسة الأميركية. فيسخرون منه وممن يتحمسون له. الخبير السياسي، ناحوم برنياع، يكتب «الاحتفالات انتهت، والفساتين الساحرة أعيدت إلى دور الأزياء، وعاد المتظاهرون إلى بيوتهم، وقوات الشرطة أيضاً. دونالد ترامب بدأ عمله في البيت الأبيض. وهذا هو الوقت المناسب لمناقشة أحد وعوده الانتخابية الاحتفالية – وعده بنقل السفارة الأميركية إلى القدس. بعض الذين سبقوه وعدوا ولم ينفذوا. ترامب وعد بالتنفيذ. رفض الإدارة الأميركية الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، هو عمل أحمق عمره قرابة 70 سنة. مصدره في قرار التقسيم لعام 1947، الذي اعتبر القدس مدينة دولية. حرب الاستقلال شطبت حدود التقسيم وسمحت لدافيد بن غوريون بنقل مؤسسات الدولة إلى القدس الغربية، كما يليق بالعاصمة. العالم غضب، لكنه تعود على ذلك. القادة الذين زاروا إسرائيل، بمن فيهم رؤساء الولاياتالمتحدة ودول عربية، زاروا القدس، لكنهم لم يعترفوا بسيادة إسرائيل على القدس. حكومات إسرائيل شريكة بالذنب». في أعقاب تداول قضية ملف القدس، والانقسام الإسرائيلي حول كيفية تصرف ترامب حياله، أعلن دان شبيرو، السفير الأميركي، أن نتانياهو لم يسبق وأن طرح موضوع نقل السفارة خلال محادثاته مع إدارة أوباما. فنتانياهو، وكما يرى مقربون منه لم يرغب بتحمل مسؤولية إحراق سفارات في العالم الإسلامي. ولكن مع صعود ترامب الوضع يختلف فإذا امتنع سابقوه عن الاعتراف بالقدس فقد يدفعه هذا إلى اتخاذ قرار معاكس، ولو بتأخير أشهر. لكن يبقى السؤال الذي يبرز في نقاشات الإسرائيليين لهذا الملف: أي قدس هي التي سيعترف بها في الوقت الذي سيكون حريصاً على عدم الدخول بخلافات مع دول عربية؟ موفد صحيفة «معاريف» إلى الولاياتالمتحدة، رون ما يبيرغ، لم يحذر من أخطار سياسة ترامب على إسرائيل، فحسب، بل بدا أكثر استهتاراً بالرئيس الجديد: «لقد أصيب بالخذلان الكبير كل من توقع أن دونالد جون ترامب، قد ربط نفسه قبل ذلك اليوم بكيس تغذية سائلة يجعل التواضع والتصرفات الطبيعية يسريان في دمه. فالحقيقة هي أن ترامب هو هذا الرجل الذي وضع يده على الإنجيل، بعد أن كسر على مرّ عامين كل الأعراف الأخلاقية المقبولة في واشنطن، وبعد أن أهان كل من يعرّف نفسه باعتباره أميركياً، وبعد أن قفز بخفّة عن جميع القصص المرعبة الآتية من ماضيه، وسياسة إقصاء العائلات السوداء من الشقق التي بناها، والتمسّح بقدمي فلاديمير بوتين. كان بإمكاننا أن نفترض بأنه وبعد عامين من الانكشاف المكثف على طريقة هذا الرجل، وبعد عامين من الانكشاف على مواقفه المتهورة والمنعزلة عن الوقائع، وبعد ثلاثة شهور معه كرئيس منتخب، نشك في أن شخصاً من الذين كانوا موجودين في حفل التنصيب، كان جاهزاً للاستماع إلى خطابه الظلامي، الكدر، الذي يصور نهاية العالم، الفاقد لأي معنى من معاني الأمل». في الشبكات الاجتماعية يبدو هذا الانقسام بين الإسرائيليين أشد وأصعب. فهناك يسمح الناس لأنفسهم في التعبير عن عواطفهم من دون رضوخ لضغوط العقل، فكانوا أكثر شجاعة في الانتقاد. ومنهم من قال إن ترامب بقدر ما هو صديق لإسرائيل هو خطر على إسرائيل لأنه مغامر وقد يجرها وراءه إلى مغامرات.