هذا «الحجيج السياسي» الأميركي الى لبنان لافت ويستحق التوقف عنده. وآخر كبار الزوار نائب الرئيس الأميركي جوزف بايدن، وسبقته وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، وقبلها مساعد وزيرة الخارجية السفير جيفري فيتلمان، وقبله السيناتور جون كيري رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ ولائحة كبار الزوار الاميركيين لبيروت طويلة ويضيق بها هذا المكان. وفي قراءة هادئة للهجوم الديبلوماسي الاميركي على لبنان يمكن التوقف على ما يلي. اميركيا: يبدو أن الرئيس باراك أوباما يريد من ضمن اجراء الاصلاحات الدستورية تبديد الفكرة السابقة والتي تواصلت لفترة طويلة، حيث كان يظهر المنصب (نائب الرئيس) وكأنه عديم الجدوى أو التأثير، وانه أقرب الى الجانب الرمزي والفخري أكثر منه ممارسة لأي دور فعلي كشريك عملي في الجانب التنفيذي وإذا ما تباين مستوى تمثيل الزوار الاميركيين فالرسائل التي تولوا نقلها الى رئيس الجمهورية هي واحدة: دعم لبنان وسيادته واستقراره والحفاظ على مكاسب «ثورة الأرز»، وأن الانتخابات الآتية يجب أن تتم بكل سلاسة وشفافية ومن دون التدخل من أي جانب، كذلك تتضمن التعهدات الاميركية دعماً لموقع رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان والحفاظ على لغة الزخم التي هي موضع تجاذب بين العمل على استرداد ما فقده من صلاحياته منذ اتفاق الطائف (التسعينات) حتى اليوم. ويتزامن هذا التحرك الاميركي النشط مع ابراز كل وسائل الدعم للبنان في هذه الفترة الحرجة سياسياً ووطنياً. وفي هذا المجال لا تخفي الادارة الاميركية الحالية الاعلان عن الدعم الواضح والصريح لقوى الرابع عشر من آذار (مارس) والتي تطلق على هذه التجمعات التعبير الحركي: «الاعتدال»، حيث لا تخفي واشنطن خشيتها وقلقها من احتمال فوز المعارضة في الانتخابات الأمر الذي يعني بالنسبة لادارة الرئيس اوباما وضع «حزب الله» في موقع السيطرة على صنع القرار. وفي هذا السياق حرص جو بايدن، بعيد لقائه الرئيس سليمان في قصر بعبدا وانتقاله الى عين التينة ومنها الى السراي الحكومي، على لقاء الوجوه البارزة في تجمع 14 آذار ووصف لنا بعض الذين شاركوا فيه أنه كان «صريحاً ومفيداً». ولدى مرجع آخر من الذين شاركوا في الاجتماع الذي انعقد في منزل نايلة معوض تعليق يجمع بين الطرافة والسخرية السياسية عندما قال: «لقد قدم نائب الرئيس جرعة من الاطمئنان لدى أركان التجمع»، مؤكداً لهم من جديد ان المحادثات الجارية حالياً بين واشنطن ودمشق والتي قد تنتهي بالتوصل الى بعض التفاهمات، لن تكون على حساب لبنان». وأمضى نائب الرئيس الاميركي فترة لم تتجاوز الست ساعات لكنه تحاشى كلياً لقاء أي ركن من أركان المعارضة، أو مما يعرف ب «8 آذار»، وبهذا المعنى يكون بايدن زار نصف لبنان وأسقط النصف الآخر. وفي سياق الرد على هذه الملاحظة جاء تعليق من أحد أفراد الوفد الذي يرافق نائب الرئيس جوزف بايدن بأنه عندما التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري لم يكن اللقاء بصفته رئيساً للسلطة التشريعية. وهنا يطرح سؤال محوري بالاضافة الى الموقف الاميركي ومدى التغيير الذي طرأ عليه منذ انتخاب الرئيس باراك أوباما لنلاحظ بأن سياسة الانفتاح «على الجميع» والتي يتبعها سيد البيت الابيض الجديد لا تترجم بإنصاف وعدالة وتوازن كما هو الانطباع الصادر من واشنطن. فماذا سيكون على هذا الموقف من تداعيات إذا ما فازت المعارضة ولو بأكثرية ضئيلة كما تؤكد أوساطها؟ خلال اجتماع الرئيس ميشال سليمان مع نائب الرئيس بايدن رنّ جرس الهاتف فإذا على الجانب الآخر من الاتصال الرئيس باراك اوباما، وهذا نوع جديد من أنواع ديبلوماسية التعامل بين الدول وخصوصاً الكبيرة كالولاياتالمتحدة الاميركية والدولة الأصغر لبنان. وعلى صعيد أزمة المنطقة لا بد ان يتعرض الرئيس اوباما لهذا الموضوع ولغيره عندما يقوم بزيارة القاهرة وفي سياق ترابط الأحداث ببعضها بعضاً لا بد من الحديث عن زيارة بنيامين نتانياهو إلى واشنطن والتي عاد منها خالي الوفاض، متباهياً بإعلان إصراره على مواقفه السابقة من مسألة المفاوضات مع الفلسطينيين، حيث طرقات الحلول كلها مغلقة على المسارات كافة في النزاع العربي - الإسرائيلي. وفي معرض تأكيده على بقاء القدس مدينة موحدة أعرب عن استعداده لاستئناف المفاوضات مع سورية. وهنا يطرح السؤال المحوري: كيف سيكون تعامل الإدارة الأميركية مع حكومة نتانياهو. وإلى أي مدى يمكن لإدارة أوباما أن تذهب في معرض «إرغام» إسرائيل على القبول بحل الدولتين، وبأمور أخرى تتصل مباشرة بالعلاقات الأميركية - الإسرائيلية. وستكون متابعة مسار العلاقات بين أميركا وتل أبيب الاختبار الأساسي تحت العنوان العريض التالي: هل يتم تحرير القرار الأميركي من «الهيمنة» الإسرائيلية؟ يقول تشارلز فريمان الذي رشح لمنصب استخباري رفيع، لكنه اضطر إلى سحب ترشيحه بعد شكاوى العديد من جماعات الضغط المناصرة لإسرائيل: «ما زلت اعتقد أن الرئيس أوباما سيسير إلى اتجاه لم يصل إليه الرؤساء السابقون في ما يتعلق بإسرائيل وتعيين الجنرال جيمس جونز كمستشار للأمن القومي يمكن أن ينذر بحدوث خلاف بين إدارة أوباما وحكومة إسرائيل». وسط كل هذه التطورات برزت عملية المناورات الكبيرة والشاملة التي ستقوم بها إسرائيل ما بين نهاية هذا الشهر ايار (مايو) والرابع من شهر حزيران (يونيو)، وأعلن أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله أن المقاومة اتخذت مجموعة من الاجراءات الاحترازية تحسباً لأي احتمال. ويتضاعف منسوب القلق في هذا المجال مع الكشف اليومي عن مجموعات جديدة من المتعاملين مع «الموساد» الإسرائيلي. وستكشف الأيام القليلة المقبلة عما ستكون عليه الجرائم المشينة التي كانت هذه العناصر المتعاملة مع إسرائيل تقف وراءها من اغتيالات وتفجيرات على اختلافها. ويقول المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء اشرف ريغي: «إن الحملة لا تستهدف القبض على الجواسيس المتعاملين مع إسرائيل، بل تعمل على ضرب البنية التحتية لهذا النوع من التجسس، الأمر الذي يشير إلى عمق الاختراق الإسرائيلي للعمق اللبناني ومنذ سنوات طويلة». وكما يعلن في العادة عن خلو الأوطان من الاصابات بأمراض مختلفة وآخرها داء انفلونزا الخنازير، هكذا ينتظر اعلان خلو لبنان - من حيث المبدأ - من عملاء إسرائيل. وقد أعد لبنان ملفاً كاملاً بشبكات التجسس رفع إلى مجلس الأمن باعتبار أن كل هذه الأعمال التجسسية تتعارض مع القرار 1701، لكن من غير المتوقع أن يبدل مجلس الأمن اسلوب تعاطيه مع القضايا المعروضة عليه، وعليه ستضاف إلى ارشيف الأممالمتحدة كمية جديدة من الأوراق المكدسة! وبعد... هل الاهتمام الأميركي بالشأن اللبناني سيقدم «قيمة مضافة» لصالح واقع لبنان أم على العكس لغير صالحه؟ في مطلق الأحوال أن الدعم الأميركي للبنان في شتى أنواع المساعدات ليس بذلك القدر الكبير الذي يعزز من قدرات الجيش اللبناني الذي خاض الكثير من معارك الشرف. ومع ذلك، فإن التأييد الأميركي للبنان لن يكون بديلاً عن عملية التوافق الداخلي. ولعل زيارة نائب الرئيس جوزف بايدن قد اثارت حفيظة الشركاء الآخرين في الوطن. على أن هذا لا يعني الابقاء على حال اليقظة والحذر مما يجري على الساحة اللبنانية وخارجها. فعندما يرفض فريق من اللبنانيين أن تكون الولاياتالمتحدة هي «الراعية» لنمو الكيان اللبناني بعد كل ما أصابه، بالمقابل يرفض فريق آخر وضع لبنان مرتبطاً بالمحور السوري - الإيراني. يردد الرئيس اللبناني العماد ميشال سليمان في هذه الفترة ضرورة تقبل جميع الأفرقاء لكل ما ستسفر عنه من نتائج. وهذه ناحية مهمة، لأن الشعور السائد في الوطن تحت شعار: «أنا أو لا أحد» هو أبرز العوامل التي أدت إلى دمار لبنان. لذا فهناك خشية أن يقدم هذا الطرف أو ذاك على عدم الموافقة على النتائج التي ستسفر عنها الانتخابات، عندها يتم انتقال الوطن من أزمة الانتخابات إلى أزمة نتائج الانتخابات. وأن يوم السابع من حزيران لناظره قريب. * كاتب وإعلامي لبناني