على طريقة الفراعنة ولسعات الخضر، تبارت دور النشر المشاركة في معرض الجزائر الدولي للكتاب هي الأخرى، وحاولت كل واحدة منها أن تسجّل ما استطاعت حضورها في أجواء تتنفس سياسة وكرة. وعلى رغم أن الأزمة الكروية بين الشقيقتين انتهت أو كادت قبل افتتاح المعرض، إلا أن المثير في المشهد أن مصر التي اختلفت الروايات في ما إذا كانت غابت أو غُيّبت، ظلت نجمة المعرض الذي لم ينافسها فيه إلا الكرة التي كانت متعة، فاستحالت في ما يتردد ها هنا «لعنة وفرقة». لكن مدير المعرض إسماعيل امزيان الذي استبق افتتاح الأبواب بالقول إن مصر هي التي اختارت الغياب، أملاً بمساعدة الجزائريين على تناسي ما حدث، حاول التعويض بدور نشر من كل حدب عربي وأجنبي بلغت نحو 500 دار، تمكّن المصريون عبرها من إرسال كتبهم سراً أو علانية، فحلّت بذلك مشكلة غياب الكتاب المصري الذي لا يستغني عنه قارئ عربي، كما يقول بوسعيد الذي أمسك بيد «الحلال والحرام» للقرضاوي، وبالأخرى «الأيام» لطه حسين، ثم أضاف ساخراً: «من يعوضني عن هؤلاء، يقصر عمر الكرة»! إلا أن بوسعيد لم يكن الوحيد في المشهد، فهناك الواقفون على الضد منه تماماً، فتراهم يتزاحمون على أجنحة سورية أو سعودية أو لبنانية، تجدهم يفرون من عناوين مصرية غير قابلة للتجاهل، فيما «يلتهمون» كتّاباً سعوديين أقل شهرة في دور مثل العبيكان والساقي. الكرة الملعونة على لسان أكثر الشفاه هنا، فكل شيء يجري باسمها، إذ أقيم المعرض على ملعب رياضي، والفعاليات الرسمية المصاحبة أدرج ضمنها حديث عن «الكرة والعولمة»، ودور النشر من جانبها كذلك حاولت استثمار الجدل، فقدمت على أرففها عناوين كروية، حتى إن دار الشروق للنشر خصصت مؤلفاً للحادثة الكروية بين الجزائر ومصر، فصار الكل يبحث عنه. ولا أظنه إلا سينفد، وهو الذي حمل عنوان «دعاية الكراهية»، وعالج بالتحليل العلمي الأحداث التي أفرزتها الأزمة الكروية بين الجزائر ومصر، وما تبعها من تداعيات مسّت الكثير من المجالات، إلى درجة كادت معها تعصف بالعلاقات بين الجزائر ومصر. بقي فقط، كما يقول الساخرون هنا، أن تضاف «المباراة» كأحد برامج الأسبوع الثقافي المغتصب كروياً! من ناحية أخرى، أكد رئيس اتحاد الناشرين المصريين لوكالة الصحافة الفرنسية، أن دور النشر المصرية لن تشارك في معرض الجزائر للكتاب هذا العام بسبب ضيق المساحة المخصصة لها وضيق الوقت، إثر تأخر الدعوات الموجهة لبعضها. وقال الناشر محمد رشاد إن الناشرين المصريين «اعتذروا عن المشاركة في هذه التظاهرة لهذا العام» لسبب آخر أيضاً هو «ضيق المساحة المخصصة للكتاب المصري». وأوضح ان منظمي المعرض «قرروا إعطاء الجناح المصري مساحة 50 متراً مربعاً، بعدما كانت المساحة المخصصة للناشرين المصريين تتجاوز ألف متر مربع». وتابع ان هذه المساحة «المقررة تأتي تحت لافتة اتحاد الناشرين العرب وليست مخصصة للناشرين المصريين». إلا ان رشاد اكد في الوقت نفسه ان «عدم المشاركة المصرية في المعرض لن تغير من واقع الامر. فنحن ابناء ثقافة واحدة ووطن واحد». وأضاف: «مهما حصل، سنكون دائماً في البوتقة الثقافية نفسها والمصلحة المشتركة بين بلدين شقيقين». وقال: «لا أدري ما هو السبب الحقيقي لهذا الموقف». وتابع ان «المشكلة كانت في الأساس بين بعض ابناء البلدين كروية واعلامية» لكن «الخاسر الاكبر هو الثقافة».