رد العديد من قادة الاتحاد الأوروبي أمس، على انتقادات شديدة اللهجة وجهها الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب الى أوروبا وحلف شمال الأطلسي، مؤكدين وجوب ابداء «وحدة الصف» و «الثقة» في مواجهة هذه «الهجمات». في الوقت ذاته، اعتبر الكرملين أن من السابق لأوانه التعليق على اقتراح الرئيس الأميركي المنتخب إبرام اتفاق مع موسكو لخفض الأسلحة النووية، في مقابل إنهاء العقوبات الأميركية المفروضة على روسيا بسبب الأزمة الأوكرانية. وكان لتصريحات ترامب وقع الصدمة في الاتحاد الأوروبي، اذ تناول في مقابلتين مع صحيفتي «بيلد» و»تايمز» الأحد، مجموعة واسعة من المواضيع الأوروبية قبل خمسة أيام من تولي مهماته رسمياً الجمعة المقبل، كالرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة. أوروبا واعتبر ترامب أن بريطانيا «كانت على حق» باتخاذها قراراً بالخروج من الاتحاد الأوروبي الذي «تسيطر عليه ألمانيا»، وتوقع أن يكون الانسحاب (بريكزيت) «أمراً عظيماً» وأن يحض دولاً أخرى على الخروج من التكتل الأوروبي. وكانت لهذه التصريحات أصداء مدوية في بروكسيل حيث يجتمع وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي الاثنين. وإن كان وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون، تميز عن نظرائه بوصف دعوة ترامب الى توقيع اتفاق تجاري سريعاً بين واشنطن ولندن بأنه «نبأ جيد جداً»، فإن العديد من الوزراء الأوروبيين دعوا الى التصدي لمواقف الرئيس المقبل بالوقوف جبهة موحدة. وقال وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إرولت إن «افضل رد على مقابلة الرئيس الأميركي (المنتخب) هو وحدة الأوروبيين». وفي ألمانيا، شدد نائب المستشارة سيغمار غابريال على ضرورة «عدم استسلام الأوروبيين للإحباط»، مضيفاً ان «على أوروبا في المرحلة الحالية حيث ضعفت قوتنا، أن نستدرك الأمر، علينا التصرف بثقة والدفاع عن مصالحنا الخاصة». «الأطلسي» وجدد الحلف الأطلسي «ثقته المطلقة» في إبقاء الولاياتالمتحدة على «التزام قوي»، في وقت يثير ترامب مخاوف عدد من البلدان ولا سيما بلدان الخاصرة الشرقية للحلف التي تتخوف من وصوله الى البيت الأبيض وخصوصاً من احتمال حصول تقارب بين واشنطنوموسكو. وتطرق ترامب في المقابلتين الى الحلف الأطلسي فذكر بأنه «قلت من وقت طويل أن الحلف الأطلسي يواجه مشاكل»، وزاد: «أولاً، تخطاه الزمن لأنه صمم قبل سنوات مديدة، ولأنه لم يعالج الإرهاب. وثانياً، الدول (الأعضاء) لا تدفع ما يتوجب عليها». وتلتزم خمس دول فقط من أصل 28 في الحلف الأطلسي، هي الولاياتالمتحدةوبريطانيا وإستونيا واليونان وبولندا، بمستوى النفقات العسكرية الذي حدده الحلف الأطلسي وقدره 2 في المئة على الأقل من إجمالي ناتجها الداخلي، وفق بيانات نهاية عام 2016. وسبق أن ادلى ترامب بتصريحات مماثلة خلال الحملة الانتخابية، ملمحاً إلى احتمال أن يعيد النظر في مبدأ التضامن المفروض على الدول الحليفة في حال تعرض إحداها لاعتداء، إذا لم يرفع الحلفاء مساهماتهم. وتتحمل الولاياتالمتحدة حوالى 70 في المئة من نفقات الحلف العسكرية. وأعرب وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير عقب لقاء مع الأمين العام للحلف الأطلسي ينس ستولتنبرغ، عن «قلق» الحلف. ولفت إلى أن هذا الموقف «يتعارض مع ما قاله وزير الدفاع الأميركي (المعين) جيمس ماتيس خلال جلسة تثبيته في واشنطن قبل ايام قليلة فقط». واعتبر ماتيس الخميس خلال جلسة في مجلس الشيوخ لتثبيته في منصبه أن الحلف الأطلسي يعد «حيوياً» للولايات المتحدة، محذراً من سعي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى «كسر» الحلف. ومن شأن مواقف ماتيس أن تطمئن الأوروبيين المصرّين على ضرورة تبني موقف حازم حيال موسكو على خلفية النزاع في أوكرانيا. وقال ديبلوماسي أوروبي أن الاتحاد «في ترقب» في مواجهة مواقف متناقضة أحياناً تصدر عن الإدارة الأميركية المقبلة، فيما قال ديبلوماسي آخر «الرئيس ليس وحيداً في عملية اتخاذ القرارات». روسيا وتحدث ترامب في المقابلتين عن احتمال التوصل مع روسيا الى اتفاق لخفض الأسلحة النووية في مقابل رفع العقوبات المفروضة عليها. وقال الرئيس المنتخب الذي غالباً ما أبدى إعجابه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين: «العقوبات تؤلم روسيا كثيراً في الوقت الحاضر، لكن أعتقد بأنه من الممكن أن يحصل أمر يكون مفيداً للعديد من الناس». وكان ادلى بتصريحات قبيل عيد الميلاد حركت المخاوف من سباق تسلح جديد، إذ حذر بأن بلاده سترد على أي زيادة في الترسانة النووية لقوة أخرى، من غير أن يذكر أياً من روسيا والصين. وفي ما يتعلق بالاتفاق النووي الإيراني الموقع عام 2015، والذي يواجه مصيراً مجهولاً مع انتقال السلطة من اوباما الى ترامب، شددت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني على أن هذا الاتفاق «في غاية الأهمية وخصوصاً لأمننا»، مؤكدة أن «الاتحاد الأوروبي سيواصل العمل من اجل احترامه وتطبيقه». وقال وزير خارجية لوكسمبورغ جان أسلبورن: «سيكون من المؤسف أن تتصرف أميركا بصفتها اكبر ديموقراطية في العالم (...) بصورة مدمرة». وأضاف «لدينا الآن الإمكانية لنظهر لترامب أن أوروبا ليست كتلة متضامنة فحسب (بل إنها) تتعامل بجدية مع المسائل الخارجية وعلى يقين بأننا إذا قضينا على السياسة الخارجية، فستترتب عن ذلك عواقب بعيدة المدى». ألمانيا وإضافة الى وصفه الاتحاد الأوروبي بأنه اصبح عربة تقودها ألمانيا، قال ترامب في تصريحاته ان المستشارة الألمانية ارتكبت «خطأ كارثياً» بسياسة السماح لمليون مهاجر بالتدفق على بلادها. وأكتفى ناطق متحدث باسم مركل بالقول انها «قرأت باهتمام» مقابلة ترامب. وامتنع شتيفن شيبرت الناطق باسم الحكومة عن التعقيب على ما ورد في المقابلة واكتفى بقوله إن ألمانيا تريد تعاوناً وثيقاً مع الإدارة الأميركية الجديدة. ولم يتوقف الرئيس الأميركي المنتخب عند انتقاد مركل، بل تناول شركات السيارات الألمانية التي حذرها بأنه سيفرض رسوماً بنسبة 35 في المئة على السيارات التي تدخل السوق الأميركية. وانتقد ترامب شركات «بي.ام دبليو» و«دايملر» و«فولكسفاغن» لأنها لا تنتج عدداً أكبر من السيارات في الولاياتالمتحدة. وقال: «إذا أردتم تصنيع سيارات حول العالم فاتمنى لكم حظاً وافراً، لكن كل سيارة ستدخل الولاياتالمتحدة ستسدد ضريبة 35 في المئة». وزاد: «أقول لبي ام دبليو إذا كانوا يبنون مصنعاً في المكسيك ويعتزمون بيعها في الولاياتالمتحدة من دون ضريبة 35 في المئة، فلتنسوا الأمر». والشركات الألمانية الثلاث التي تستثمر على نطاق واسع في المكسيك، أشارت إلى أنها تصنع في الولاياتالمتحدة أيضاً. وقال ماتياس فيزمان رئيس اتحاد مصنعي السيارات في ألمانيا إن شركات السيارات الألمانية رفعت إنتاج السيارات الخفيفة في الولاياتالمتحدة أربع مرات خلال السنوات السبع الماضية إلى 85 ألف وحدة وإن أكثر من نصف هذا العدد يجري تصديره من هناك. وأضاف في بيان: «على المدى الطويل ستضر الولاياتالمتحدة نفسها إذا فرضت رسوماً جمركية أو قيوداً تجارية أخرى وتوظف شركات السيارات الألمانية نحو 33 ألف عامل في الولاياتالمتحدة إلى جانب نحو 77 ألف مورد للسيارات الألمانية».