تزامنت زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى لبنان مع استفحال الخلاف السياسي الداخلي بين «حزب الله» وحلفائه من جهة، والفريق الداعم لاستمرار عمل المحكمة الدولية في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري بزعامة رئيس الحكومة سعد الحريري من جهة ثانية، على خلفية احتمال تسمية عناصر من الحزب بالضلوع في جريمة الاغتيال، في القرار الاتهامي المرتقب صدوره. وشكلت الزيارة فرصة لإيجاد حل للخلاف المستحكم بين الفريقين، نظراً لعلاقة إيران التحالفية المميزة مع «حزب الله»، وسعيها لتوثيق علاقتها مع الحريري وفريقه السياسي، من خلال طرح بعض الأفكار التي تساهم في الخروج من هذا المأزق السياسي، والتشاور في شأنها مع بعض الدول العربية المعنية بالوضع اللبناني. ولا بد من ترقب المواقف السياسية لمختلف الأطراف اللبنانية في الأيام المقبلة، ليتبين ما تحمله من مضامين سياسية تؤشر إلى مدى نجاح تحرك الرئيس الإيراني في حل الأزمة أو تعثر جهوده. وانسحبت أجواء التهدئة السياسية التي يعيشها لبنان منذ الزيارة على جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، حيث ساد النقاش الهادئ ملف ما يسمى ب «شهود الزور». ولم يتمكن الوزراء من حسم هذه القضية نظراً لتمسك كل طرف سياسي بموقفه، حيث يطالب «حزب الله» وحلفاؤه المحليون والإقليميون بإحالة الملف على المجلس العدلي اللبناني، رافعين بذلك موضوع إفادات هؤلاء الشهود إلى مصاف تعريض أمن الدولة اللبنانية للخطر، فيما يطالب «تيار المستقبل» وحلفاؤه بإحالته على القضاء العادي، كونه الجهة الصالحة للبت به. وبعدما فشلت وسائل الترهيب والتهديد التي لوح بها «حزب الله» وحلفاؤه خلال الأشهر الثلاثة الماضية من أجل إلغاء القرار الاتهامي، وتيقنهم من استحالة إلغائه أو تعطيل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، نتيجة خضوع هذا الأمر لمجلس الأمن، ودعم المجتمع الدولي، خصوصاً الدول الكبرى فيه، لاستمرار عمل المحكمة ورفضه محاولات التأثير فيها، لجأوا إلى المطالبة بمحاكمة من يعتبرونهم «شهود زور» في المجلس العدلي، للالتفاف على المحكمة الدولية بمحكمة لبنانية موازية تستغرق أعمالها سنوات، من أجل إضعاف قدرة المحكمة الدولية وفاعليتها وشل أعمالها تمهيداً لإسقاطها والتخلص منها. وجاءت المواقف الدولية الأخيرة بمثابة رد حاسم على الحملات المستمرة للمتضررين من المحكمة، ومنها موقف الإدارة الأميركية الداعم لاستقلال لبنان واستقراره ومؤسّساته الدستورية، والمؤيد بحزم لعمل المحكمة الدولية إسوة بالمجتمع الدولي، الذي ورد في رسالة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى الرئيس اللبناني ميشال سليمان، التي نقلها إليه منذ أسبوع، بصورة مفاجئة وعاجلة، مساعد وزيرة الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الأدنى السفير جيفري فيلتمان. ومن المعلوم أنه بموجب قرار إنشاء المحكمة الخاصة بلبنان الصادر عن مجلس الأمن الدولي، لا يمكن أي جهة قضائية في أي دولة في العالم التعاطي مع ملف جريمة اغتيال الحريري أو القضايا المتفرعة عنها، وكل ما يصدر عن هذه المحاكم أو الجهات القضائية الأخرى لا قيمة قانونية له، ولا يتم الأخذ به كونه يتعارض مع القرار المذكور. وتعتبر قضية ما يسمى ب «شهود الزور» من القضايا المتفرعة عن جريمة اغتيال الحريري، ويعتبر نظر القضاء اللبناني أو السوري فيها، قبل صدور القرار الاتهامي أو حتى قبل صدور الأحكام النهائية، انتهاكاً لقرار إنشاء المحكمة الدولية وتدخلاً في مسيرتها وعرقلة لأعمالها. وتتطلب إحالة هذه القضية على القضاء العادي أو المجلس العدلي، طلب التحقيقات التي أجرتها لجنة التحقيق الدولية مع هؤلاء الشهود، للبناء على الشيء مقتضاه، ما يعني تفريغ المحكمة الدولية من ملفاتها الأساسية. الأمر الذي دفع بمساعدة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون القانونية باتريسيا أوبراين إلى توجيه كتاب إلى رئيس المحكمة انطونيو كاسيزي طلبت فيه عدم تسليم أي وثائق من التحقيق الدولي للواء المتقاعد جميل السيد بعد قرار قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرنسيس منح السيد الحق بالاطلاع على بعض أجزاء ملف التحقيق، استناداً إلى أن «كل الوثائق والمواد الأخرى التي تم إعدادها أو الحصول عليها أو التي بحوزة المحكمة، كانت ولا تزال وثائق ومواد للأمم المتحدة، محمية تحت البند الثاني من الاتفاقية حول الامتيازات والحصانات الخاصة بالأمم المتحدة». ويعتبر الخبير القانوني اللبناني الدكتور حسن الرفاعي، أنه لا يجوز للقضاء اللبناني النظر في هذه القضية قبل صدور القرار الظني أو الاتهامي، حيث إن أكثر من يسمون «شهود زور» لم يدلوا بإفاداتهم أمام القضاء اللبناني، وأن القضية تعود في الأصل الى المتضرر، وهي دعوى شخصية لا تمت بأي صلة الى أي موضوع من المواضيع التي يحق للمجلس العدلي اللبناني النظر فيها. ولا بد من الإشارة إلى أن بعض المحللين السياسيين يعتقد أن المعركة القائمة حالياً في لبنان حول المحكمة الدولية والقرار الاتهامي، ليست في الواقع على موضوع المحكمة، لان الجميع يعرف أن لا معركة التمويل في لبنان ولا الضغوط على سعد الحريري ستلغيها، بل إنها معركة على تحقيق المزيد من النفوذ وتغيير موازين القوى. * كاتب لبناني