حملت إطلالة الفنان المسرحي سامي عبدالحميد عبر «مشوار» قناة «البغدادية» أهميتها في بعدين: بعد الشخصية - الضيف، بما له من أهمية في تاريخ المسرح العراقي الحديث، وبعد التجربة التي يحملها في هذا الفن، والتي امتدت، تاريخاً، من عام 1964 الى اليوم - وقد تخطى الثمانين بعامين. أما امتدادها فنياً فكان بين شكسبير ويوسف العاني، وما بين الاسمين من أسماء كبيرة في أعمال مسرحية أخذ أدواره البارزة فيها. في هذا ال «مشوار»، الذي بدا قصيراً من جانب المتحدث، ومفككاً من جانب مقدم البرنامج، تحدث الفنان الكبير عن تجربته في المسرح باختزال بالغ... وتحدث عن المسرح وشروط نهضته واستمراره حديث معلم خبير، كما تحدث عن كبوات المسرح العراقي حديث تحفظ، لا يثير حفيظة أحد من «المعنيين» بهذه الكبوات. كما تحدث عن «المفهوم المختل» لبعض التوجهات المسرحية التي قد تكون «ضلّت» لأنها لم تعرف السبيل الى مقصدها، كما تحدث عن «فهمنا» و «فهم الغرب» للمسرح التجاري، ومن أين تنبع الإساءة الى الفن نتيجة هذه التسمية... وتحدث عن الممثل المسرحي وكيف ينبغي أن ينهض بدوره حين يكون على خشبة المسرح، فكان في هذا يتحدث حديث المجرب الخبير. واحتشد حديث عبدالحميد بالأفكار، والرؤى، والمفاهيم أيضاً... وكان يمكن هذا الحديث، بأبعاده هذه، أن يكون أغنى لولا أن مقدم البرنامج - اللقاء الذي كان يوجه أسئلة بالغة التقليدية لفنان غير تقليدي، فضلاً عن «جمله الاعتراضية» التي كانت تحمل «رائحة الموت» أو تنعطف نحو التذكير به، ومن دون أن يدرك وقعها السلبي على الفنان وتأثيرها في تلقائية حديثه، من دون تقدير منه للوضع الذي هو فيه عمر! ولم يتنبه الى أن الفنان، على رغم شيخوخته البادية، كان يكابر بحيويته الذهنية، وبقدرته على الحركة ومواصلة العطاء، وهو الذي ارتقى المسرح قبل عام ليؤدي دوراً بارزاً في مسرحية معدّة عن إحدى روايات غائب طعمة فرمان. وقد بلغ التمادي بمقدم اللقاء في هذا المجال أن الفنان حين قال، من باب تأكيد الاستمرارية في العمل: «إعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً...» أن أكمل: «واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً»، ناسباً القول لغير قائله!... ما جعل الانكماش يتبدى واضحاً على وجه الفنان الضيف، ولم يكن إلّا انعكاساً لانكماش داخلي، نفسي، جراء التذكير بالموت. والمصيبة هي في أن مقدم البرنامج لم يدرك شيئاً من هذا الذي فعل!... حتى بلغ «الخاتمة» فأعاد القول على «ضيفه» مذكراً إياه بسنوات عمره المديد، طالباً إليه أن يقدم «كلمته الأخيرة»، وليس «خلاصة تجربته» في المسرح الى المشاهدين، فإذا بالفنان ينكمش مرة أخرى وجهاً وحالة نفسية وهو يقول ما قال ما حمله على محمل الدعوة الى المحبة ونبذ البغضاء... بين البشر. أريد القول من خلال هذه الملاحظات: إن إدارة الحوار مع الآخر فن، وفن صعب... فهو كما يتطلب من «المحاوِر» ثقافة تتصادى مع ثقافة المحاوَر، تتطلب أيضاً التوفر على اللباقة، والكيفية التي يصل بها الى «عقل الآخر - المحاوَر»، فيجعله يتجلى ليفصح ويقول عما لا يعدّ كلاماً تقليدياً، أو معاداً مكروراً. فنجاح الحوار، أي حوار، هو بانفتاح المحاوَر على الحديث والحياة في آن.