شهدت العلاقات التجارية العراقية - التركية تراجعاً منذ منتصف عام 2014، بعدما احتل إرهاب «داعش» مدينة الموصل في شمال العراق، التي تُعدّ أكبر مدن العراق. إذ تناقصت وفي شكل ملحوظ تجارة نقل البضائع التركية إلى العراق، وانخفض عدد الشاحنات التركية الداخلة إليه بنحو 70 ألفاً شهرياً (نحو 2300 يومياً). ونتيجة إرباك المواصلات، لم تعد تستطيع الشاحنات التي كانت تدخل إلى العراق من شماله الذهاب إلى الجنوب، ما أدى إلى تقلّص عددها إلى نحو 1550 شاحنة يومياً. لكن لم يعد للرقم الأخير وجود، ما يدعو إلى استغلال هذه الحالة وتوظيفها في تفعيل الإنتاج العراقي. وأعلن الأكاديمي الاقتصادي أحمد عمر الراوي، أن «تدنّي قيمة الإيرادات الاقتصادية وحجم التبادل التجاري بين العراقوتركيا، دفع بالأخيرة إلى التفكير في خيارات متنوعة منها فتح خط تركيا - إيران البري ومنه إلى جنوبالعراق مرة أخرى». لكن رأى أن «هذه المسارات لا تحقق الجدوى نتيجة ارتفاع التكاليف، بسبب طول المسافات التي تقطعها الشاحنات واستغراقها وقتاً أطول مما كانت تقطعه قبل وجود الإرهاب في العراق». ووفقاً لجمعية المصدّرين الأتراك، لفت الراوي إلى أن حجم الصادرات التركية «بدأ ينخفض منذ حزيران (يونيو) 2014، ما خفّض ترتيب العراق إلى المركز الثالث في قائمة أكبر مستوعبي الصادرات التركية، التي تقلّصت مرة أخرى بنسبة 46 في المئة، وبهذا التراجع احتلّ العراق المرتبة الخامسة في ترتيب الدول التي تستورد البضائع التركية». ونقل الراوي عن وزير الاقتصاد التركي قوله أن «حجم الخسائر التركية الناجمة عن انخفاض صادرات بلاده إلى العراق بلغ نحو 3 بلايين دولار، في حين توقع مجلس الأعمال التركي - العراقي في مجلس إدارة العلاقات الاقتصادية الخارجية، أن يتكبّد الجانب التركي خسائر ب9 بلايين دولار، في حال استمر الوضع على ما هو عليه». وشدّد على «أهمية استثمار هذا التراجع وتوجيه الاهتمام للشركات المحلية لبدء عملية الإنتاج في كل المصانع، خصوصاً أن لدى العراق آلاف المعامل المتوقفة أو التي تراجع إنتاجها لعدم القدرة على المنافسة». ولفت الراوي إلى «أثر الإرهاب على مساحة كبيرة في ارتفاع منسوب التهديد الأمني، ما نتجت منه خسائر في الاستثمارات العراقية - التركية، علماً أن نحو 1500 شركة تركية في العراق تعمل في إقليم كردستان لوحده، وتشكل نحو 65 في المئة من الشركات الأجنبية العاملة فيه». وفي موضوع متّصل، شدّد الخبير الاقتصادي عبدالله نجم الشاوي، على «تفعيل خطة لتقديم الدعم الحكومي للقطاعات الصناعية وتوزيعها وفق المحافظات، مع مراعاة المناطق المحرومة وتلك التي ترتفع فيها نسبة البطالة مع إعداد قانون للمدن والمجمعات الصناعية، بما يسمح بإنشاء مدن ومجمعات صناعية في كل المحافظات». ولم يغفل أهمية «إعداد برنامج لإعادة إعمار المصانع والشركات الصناعية الوطنية بعد اندثار موجوداتها بسبب التقادم التكنولوجي، وتطوير البنية التحتية للصناعات الوطنية وإعداد قواعد المعلومات التي تخدم القطاع في الإنتاج». يُضاف إلى ذلك كله، «الاهتمام بتدريب العاملين في المنشآت الصناعية». وأكد الشاوي ضرورة أن «توفّر الخطة فرصاً لعقد الشراكات الاقتصادية بين الشركات الصناعية الوطنية ونظيراتها الأجنبية». ورأى أيضاً «ضرورة إعداد استراتيجية للصناعة الوطنية تركّز على التوجه نحو استغلال الميزة النسبية لبعض الصناعات الرئيسة في العراق، وتطوير الطاقات الإنتاجية بما يعزز قدرات الشركات على التصدير، وخلق موارد جديدة بالعملة الصعبة». وطالب ب «تقديم قروض صناعية ميسّرة للشركات العاملة في القطاع الصناعي بما يضمن تغطية حاجاتها وبفائدة ضئيلة». وعزا الشاوي «ضعف الصناعة العراقية إلى تقادم إنتاج المصانع واندثار الكثير منها، فضلاً عن تقادم تكنولوجي للمعدات المستخدمة بسبب تأثير العقوبات الاقتصادية على مدى 13 عاماً، والتي حدّت من القدرة على تطوير هذا القطاع». ويُضاف إلى ذلك «التأثير السلبي لفتح الأسواق بعد عام 2003 في المنتج الوطني، إذ تدفقت السلع المستوردة وظهرت مشاكل التسويق في شكل حاد أمام شركات القطاع».