في العدد الأخير من فصليّة «فورين أفيرز» الأميركيّة، كتب الباحث ليون هادار ما يشبه التحذير لباراك أوباما وإدارته مما يمكن أن يقوله (أو أنه قاله في زيارته الأخيرة لواشنطن) بنيامين نتانياهو. فتحت عنوان «إساءة قراءة الخريطة - الطريق إلى القدس لا تمرّ عبر طهران»، ساجل الكاتب ضدّ وجهة النظر القائلة بأن مكافحة إيران ونفوذها مصلحة مشتركة تتحقّق «للمرّة الأولى» بين العرب والإسرائيليّين. وهو استعرض بعض محاولات سابقة، شهدتها مراحل متباينة، لتوحيد المصلحتين العربيّة والإسرائيليّة ضدّ عدوّ ما: فاليساريّون الصهاينة سبق لهم، قُبيل نشأة الدولة العبريّة وبُعيدها، أن أكّدوا على مثل هذه المصلحة ضدّ الكولونياليّة والإقطاع والتخلّف في المنطقة. ثمّ في الحرب الباردة، حضر مجدّداً حديث هذه المصلحة التي تجمع إسرائيل إلى المحافظين العرب في مواجهة الشيوعيّة والاتّحاد السوفياتيّ. وحين غزا صدّام حسين الكويت، أطلّ، مرّة أخرى، حديث المصلحة المشتركة... وهكذا دواليك. وبغضّ النظر عن مدى الصحّة التي ينطوي عليها منطق المصلحة المشتركة، فإن أيّاً من تلك المحاولات لم تحرز تقدّماً. أمّا السبب، الغنيّ عن الذكر، فأنّ المحاولات المذكورة كانت تقفز فوق الموضوع الفعليّ والأساس الذي هو النزاع الفلسطينيّ - الإسرائيليّ الذي يُستخدَم، بصدق عند البعض القليل وبذرائعيّة وانتهازيّة عند البعض الأكبر، للحؤول دون احتمال تبلور المصلحة المشتركة. والبرهان الآخر الذي يعزّز الافتراض هذا إن إسرائيل استطاعت، فقط بعد مصالحتها مع الفلسطينيّين في أوسلو العام 1993، أن تُحدث اختراقات جدّيّة لصالحها في العالمين العربيّ والإسلاميّ. وهذا بعد أن اقتصر الاختراق الذي وفّره لها كامب ديفيد، وهو طبعاً ضخم، على مصر وحدها، وعلى السلطة فيها دون المجتمع. والمعادلة هذه التي ترقى إلى بداهة وحكمة، هي التي يتحرّك بموجبها أوباما وإدارته اليوم، أو أن هذا، على الأقلّ، ما وشت به مداولات واشنطن الأخيرة مع رئيس الحكومة الإسرائيليّة. فإذا كانت طريق طهران لا تقود مباشرة إلى القدس، فإن طريق القدس قد تقود إلى طهران. وما يعنيه هذا، بين أمور أخرى، أن «الاعتدال العربيّ» الذي لا يعوزه القلق حيال الجار الخمينيّ، لا يستطيع أن يفعّل رغباته ومساعيه من دون بتّ مسألة النزاع مع إسرائيل على نحو يرضي التطلّعات الفلسطينيّة المعتدلة والممكنة التحقيق، أي انطلاقاً، بشكل أو آخر، من مبادرة بيروت للسلام. بيد أن اللافت للنظر أن الالتفاف الإسرائيليّ على هذه الحقيقة الصارخة وتقديم موضوع إيران عليها، هو نفسه ما تفعله إيران وتابعوها بمواظبة عمليّة لا تكلّ. ذاك أن استراتيجيّة طهران تقوم، بالضبط، على تحويل علاقتها بالولايات المتّحدة إلى موضوع المواضيع الذي يتمّ إلحاق النزاع مع إسرائيل به على نحو محكم. فدولة آيات الله لا تريد، هي الأخرى، أن تنهض سلطة فلسطينيّة قادرة على التفاوض. في هذا النهج الإسرائيليّ المقلوب، تتولّى حركة «حماس» منع سلطة عبّاس من تحويل الأنظار نحو الموضوع الفلسطينيّ بدلاً من الموضوع الإيرانيّ، أو نحو السياسة بدلاً من التوتّر والتوتير المفتوحين. وهو ما يعادل الخلاصة العمليّة والاستخلاص المنطقيّ لسرقة الشأن الفلسطينيّ بحيث يغدو شأناً «إسلاميّاً» قد يتجسّد في إمارة غزّاويّة تحمي حدود إسرائيل الجنوبيّة من دون أن تكلّفها شيئاً يُسدّد لمشروع دولة ووطن.