خلال السنوات العشر الأخيرة راجت على ألسن شريحة ممن يوصفون بالدعاة وطلبة العلم في السعودية تسميات وتصنيفات مختلفة، تم إسقاطها على أعداد مهولة من الأكاديميين والمثقفين والإعلاميين، وحتى بعض رجال الدين، بهدف ضرب الُلحمة الوطنية واختلاق صراعات وهمية في الداخل السعودي، كمحاولة أخيرة للمحافظة على مكتسبات المتنفعين من ثقافة الجمود، الذين أفزعتهم وهزتهم مسيرة الإصلاح والتطوير ومحاربة الفساد. كما أن التاريخ العربي والإسلامي حافل بمئات الحكايات التي تجسد أحداثاً شهيرة لامتطاء الدين في سبيل تحقيق مكتسبات فردية أو حزبية أو حتى المحافظة عليها، وهو ما يُعبر عنه المثل الشعبي المعروف «الدين مطيّة»، سعى أولئك الدعاة الموتورون لعسف الدين واستخدامه وسيلة لضرب وتشويه سمعة كل من يحاول دفع عجلة التنمية والإصلاح، حتى وإن كان جهة حكومية تعمل بتوجيهات السلطة الشرعية للبلاد. ولعل أبرز التسميات التي يطلقها أساطين الجمود والرجعية اليوم على خصومهم مسمى «التغريبيين»، وهو مصطلح ينطوي على اتهام حامله بموالاة الغرب، أو حتى مجرد الإعجاب بالنظريات الثقافية والفلسفية والاجتماعية الغربية، وهذه في عُرف أساطين الجمود جريمة كبرى، باعتبار أن الغرب - وفق مفهومهم - يجسد الشر المطلق من دون الحاجة لتبرير تلك النظرة الهزيلة التي تسقط تماماً أمام الواقع السياسي للمملكة، التي تحظى بعلاقات وتحالفات سياسية متينة مع الغرب، كما أن تلك الفرضية التي تصور الغرب «شيطاناً» تسقط لشدة هزالها أمام الإرث الديني الإسلامي، الذي ينتصر فلسفياً للغرب (سورة الروم)، فيما يضرب الشرق بوصفه مستقراً لقرن الشيطان! مناسبة حديثي هذا اطلاعي على ملخص دراسة دكتوراه تم إصدارها في كتاب حمل عنوان «حركة التغريب في السعودية... تغريب المرأة أنموذجاً»، لمؤلف سعودي يُدعى «عبدالعزيز البداح»، والحق أقول إنني لم أقرأ طوال حياتي كتاباً بوقاحة وسذاجة وسوء طوية هذا الكتاب، الذي وزع صكوك الخيانة وفق هلوسات مؤلفه ب«وسواس التغريب» على وزارات وجهات حكومية مختلفة، ووزراء ومسؤولين وفقهاء وأكاديميين وإعلاميين بأسمائهم الصريحة، بل إنه نال بشكل وقح جداً من زوجات عدد من المسؤولين، واصفاً إياهن بالسافرات التغريبيات. لم يتورع مؤلف تلك الرسالة «التي وللأسف نالت درجة الدكتوراه من قسم الأديان والمذاهب في كلية الدعوة الإسلامية التابعة لجامعة الأزهر»، من وصف بعض القرارات الحكومية بالتغريبية، كقرار دمج رئاسة تعليم البنات مع وزارة التربية، بجانب إطلاق الاتهام نفسه على برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث، وسحب ذلك على معظم خطوات هيئة السياحة وغيرها من الإدارات الرسمية، أي باختصار أن المؤلف الذي يُفترض أنه مواطن يدين بالولاء لقيادة هذه البلاد كشف وبشكل جلي عن أنه أول الجديرين بالحصول على صك خيانة من صكوكه المجانية، كونه في الحقيقة يعادي منهج وتوجهات القيادة العليا للبلاد تحت مظلة وسواس التغريب الذي لا يعيش ويعشعش إلا في جمجمته. السعودية اليوم ليست سعودية الأمس، فهي تمر بأزهى عصورها في ظل السياسة الحكيمة التي استشرفت المستقبل باكراً، وبادرت للتطوير والإصلاح بقيادة ملك الإنسانية رائد الإصلاح السعودي عبدالله بن عبدالعزيز، ومن المستحيل أن تؤثر هلوسات مؤلف تلك الرسالة الساذجة أو شبيهاتها في مسيرة البلاد والمجتمع السعودي، الذي حمل راية التوحيد بيدٍ والتنمية والإصلاح باليد الأخرى، نافضاً غبار الماضي في طريقه إلى المستقبل، لكن ذلك لا يعني الصمت على محاولات الإساءة لهذا الوطن وقرارات قادته وسمعة رموزه، ولذلك فمن المتعين على جميع من تم النيل من سمعتهم وولائهم لوطنهم في تلك الهلوسات المقيتة، أن يتقدموا بكل شجاعة لمقاضاة المؤلف وفق الأنظمة المتبعة، وهذا بحد ذاته واجب وطني لا يجدر بهم التخاذل عنه أبداً. [email protected]