كم هو جميل أن يجد اللبناني حين يعود آخر الليل تعباً إلى بيته، على واحدة من شاشات بلده الكثيرة برنامجاً يجسّد فعلاً «عظمة» لبنان وثقافته وتعايشه وتآلفه. ففي لحظة تضجّ فيها كل الشاشات اللبنانية وبعض الفضائيات التي تعتبر نفسها معنية بتحليل الاوضاع السياسية في لبنان، بكلام وشعارات تؤجج المشاعر أكثر مما تخمدها، وتجيّش النفوس أكثر مما تؤالف بينها، يجد محطة على الأقل قررت الخروج من هذه المعمعة أو بالأحرى لم ترد الدخول فيها أصلاً، ولجأت إلى ملء هوائها ببث حفلة ثقافية او تكريمية أقيمت هنا او هناك. هذه هي حال «تلفزيون لبنان» الرسمي الذي بث قبل يومين حفلة تكريم للشاعر سعيد عقل بإزاحة ستارة عن تمثال له في حديقة المبدعين داخل حرم الجامعة الاميركية للعلوم والتكنولوجيا في حي الاشرفية. ولا شك في أن كثراً من اللبنانيين المصابين بقرف واشمئزاز من حال بلدهم سياسياً ومعيشياً، وكذلك من الحوارات السياسية التلفزيونية والمؤتمرات الصحافية المتكررة أسبوعياً، وبثها المباشر لحظة حصولها وفي نشرات الأخبار المسائية، وجدوا إبهامهم وقد توقفت عن ضغط أزرار أجهزة التحكم عن بعد، حين رأوا ذلك المشهد الجميل الذي تحلّق فيه ساسة وشعراء ومثقفون من كل المشارب والطوائف حول سعيد عقل مُنصتين الى شعره بصوته، وبصوت الفنانة اللبنانية الفنانة لور عبس، تغني كلماته على ايقاع وأنغام فرقة موسيقية نسائية بالكامل. كم كان جميلاً ذلك المشهد، بكل مضامينه وصورته الحقيقية عن طبقة لبنان المثقفة والرصينة. كم كان عذباً الكلام وموزوناً. كم كان شجياً الغناء، والعزف والايقاع. وكيف أسرت تلك السيدات اللبنانيات المشاهدين بإتقانهن عملهن عزفاً وإيقاعاً وغناء، وليس بعري كما تفعل سيدات يتنطحن الى احتلال الشاشات قائلات إنهن لبنانيات ومعممّات تلك الصورة المسيئة الى المرأة اللبنانية. هذا المشهد اللبناني الجميل ليس فريداً من نوعه، بل يكاد يتكرر كل يوم في كل مدينة وبلدة وقرية، وفي امكان اللبنانيين أن يكرروه كل يوم نظراً إلى كثرة المبدعين الذين يستحقون تكريماً... لكن ما ينقصهم بالطبع هو تلفزيون يهتم بهم ويهبهم من ساعات بثه بعضاً من الاوقات التي يفردها للذين يفرّقون ولا يجمعون.