تتفاقم الأوضاع المعيشية في اليمن، بسبب الحرب الدائرة فيه منذ أيلول (سبتمبر) 2014، ليصل اليوم سكانه المقدر عددهم بنحو 28 مليون نسمة إلى حافة المجاعة، وفق تحذيرات المنظمات الدولية العاملة في مجال الإغاثة الإنسانية. وقال منسق الأممالمتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن جامي مكغولدريك في تصريحات صحافية أن الكارثة الإنسانية تتفاقم في البلاد، وأن الحرب تسببت في تخريب الاقتصاد ووقف توزيع الإمدادات الغذائية، مما يدفع البلاد إلى شفا المجاعة، وتؤكد بيانات الأممالمتحدة أن الحرب في اليمن حرمت أكثر من 14 مليون نسمة من الأمن الغذائي وأن «سبعة ملايين منهم يتضورون جوعاً». ويواجه معظم اليمنيين صعوبة في توفير الحد الأدنى من المواد الغذائية الرئيسية، بفعل توقف السلطات الحكومية التي تديرها الميليشيا الحوثية عن صرف مرتبات الموظفين الحكوميين (مدنيين وعسكريين) لأربعة أشهر متتالية، إلى جانب تسريح نحو 70 في من العمالة لدى شركات القطاع الخاص وفق تأكيدات الأممالمتحدة. وقال رئيس الدائرة القانونية في اتحاد نقابات عمال اليمن عبدالله الجبري أن غالبية شركات القطاع الخاص والفنادق فئة الخمس نجوم أغلقت وسرحت موظفيها وعمالها، وأشار في حديث إلى «الحياة» أن شركات الخدمات النفطية والتغذية سرحت غالبية عمالها، مقدراً عدد من فقدوا أعمالهم خلال الحرب الدائرة في اليمن بنحو «مليون ونصف المليون موظف وعامل». ويتفق معه رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي مصطفى نصر، الذي قال أن أكثر من مليون ونصف المليون عامل من العمالة الموقتة والعمالة غير النظامية فقدوا أعمالهم، في حين تعرض مئات الآلاف لتخفيض مرتباتهم لدى القطاع الخاص والمختلط. وأضاف نصر في حديث إلى «الحياة»: وإذا ما احتسبنا العاملين في القطاع الحكومي بشقيه المدني والعسكري الذين لم يتسلموا مرتباتهم كاملة منذ 4 أشهر، فإن تقديرات عدد المتضررين من العاملين تجاوزت ثلاثة ملايين عامل بصورة أو بأخرى، ما ضاعف من المشكلة الاقتصادية والإنسانية التي تعيشها اليمن نتيجة الحرب التي تدخل عامها الثالث. وأوضح نصر أن تأثير الأزمة لم يقتصر على توقف كثير من القطاعات الاقتصادية، وإنما أدت إلى نزوح رأس المال الوطني إلى خارج البلاد هرباً من الوضع الراهن، مؤكداً توقف نحو 35 في المئة من المنشآت العاملة في مجال الخدمات، كوكالات السياحة والفنادق والمستشفيات الخاصة والمدارس، و27 في المئة من المنشآت الإنتاجية و20 في المئة من المنشآت التجارية. الحالة الإنسانية في اليمن تزداد تعقيداً مع تهاوي أسعار الريال مقابل الدولار، حيث بلغ سعر الدولار الواحد 310 ريالات، وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات، وخلال الأيام القليلة الماضية شهدت أسعار السلع الأساسية مثل القمح والدقيق والأرز والسكر والزيوت ارتفاعات جديدة تراوحت بين 15 و25 في المئة، بعد تداول العديد من التحذيرات التي أطلقتها منظمات دولية بحدوث أزمة غذاء وشيكة في اليمن، وقالت منظمة الإغاثة العالمية أوكسفام مؤخراً أن اليمن- بناء على واردات الغذاء الحالية- سيخلو من الغذاء في غضون أشهر قليلة. وتوقع خبراء اقتصاد أن تشهد الأسابيع والأشهر القليلة القادمة ارتفاعات غير مسبوقة في أسعار هذه المواد. وقال هؤلاء الخبراء الذين تحدثوا إلى «الحياة» أن تراجع مخزون الغذاء في اليمن، وتوقف تجار القمح والدقيق وغيرها من المواد الغذائية الأساسية، عن الاستيراد نتيجة عدم قدرة البنك المركزي اليمني في صنعاء والذي يخضع لسيطرة الحوثيين على التعامل مع الخارج وفتح خطابات الضمان للموردين، بعد قرار الرئيس هادي بنقل التعاملات البنكية إلى فرع البنك في عدن، من شأنها أن تدفع بالتجار إلى احتكار ما تبقى من مواد القمح والدقيق والأرز والسكر والزيوت، ورفع أسعارها نتيجة لتزايد الطلب عليها وشحّ المتوافر منها في السوق. ازدياد البطالة والفقر كل ذلك أثر في الحياة المعيشية لليمنيين ووسع دائرة البطالة والفقر في أوساطهم، يقول (م . ع) وهو عميد في وزارة الدفاع اليمنية ل «الحياة»: «كنت أعيش مستور الحال مع أسرتي، ولكني اليوم بسبب توقف صرف المرتبات لا أستطيع توفير الحد الأدنى من الغذاء، بعد أن تنازلنا عن الكثير من متطلبات الحياة، وأصبحت مثقلاً بالديون، ومهدداً بالخروج من المنزل الذي أسكنه لعدم قدرتي على دفع الإيجار لأربعة أشهر متتالية». الحال ذاتها يعانيها موظفو الدولة بغالبيتهم، الذين اتجهوا خلال عمر الحرب الذي تجاوز العامين لبيع مدخراتهم وما كانوا يملكونه من سلاح وذهب، وبلغت الحال بالكثير منهم لبيع بعض أثاث منازلهم، ليتمكنوا من توفير لقمة العيش لأسرهم والأدوات المدرسية لأبنائهم، ويقول صالح عبدالله الذي يعمل في حراج الصافية في قلب العاصمة صنعاء ل»الحياة» أن الحراج يستقبل يومياً العشرات من السكان الذين يبيعون «الثلاجات والغسالات والبوتاجازات وأنابيب الغاز، وبعضهم يبيع مجالس الاستقبال». وميليشيا الحوثي تسعى لاستغلال أزمة الغذاء وتحميل دول التحالف مسؤولية ذلك بحجة فرضها الحصار على اليمن، وهو ما دفع الناطق باسم التحالف العربي اللواء أحمد عسيري لاتهام الحوثيين بحجب القمح وشحنات الإغاثة عمداً، وأنهم يتلاعبون بعامل تجويع الشعب اليمني، لكسب مزيد من انتباه وسائل الإعلام العالمية، وقال عسيري ل «رويترز»، أن شحنات تم احتجازها في ميناء الحديدة المطل على البحر الأحمر. وتؤيد العديد من المنظمات المحلية العاملة في مجال الإغاثة اتهامات عسيري للحوثيين، وتقول رئيسة إحدى المنظمات– طلبت عدم كشف هويتها- في حديث إلى «الحياة» أن منظمتها ومنظمات أخرى حصلت على مساعدات غذائية لسكان بعض مديريات محافظة الحديدة التي تعاني من حالة مجاعة، وأن «الحوثيين منعوهم من إيصال تلك المساعدات، وبعد مفاوضات طويلة سمح لهم بتوزيع 70 في المائة منها فقط، وتسليم 30 في المائة للجان التابعة للحوثيين. وتشكو منظمات كثيرة عاملة في العاصمة صنعاء من ممارسات الميليشيا الحوثية، ويقول القائمون على هذه المنظمات أن الميليشيا تمنعهم من تجميع المساعدات الغذائية، وتوزيعها على المحتاجين في العاصمة صنعاء وخارجها، وأن هذه الميليشيا تصادر أي كميات تحصل عليها المنظمات المدنية وتقوم باعتقال العاملين فيها، بحجة أن هذه المنظمات تعمل لمصلحة الحكومة الشرعية والداعمين لها، وتقول أن توزيع مثل هذه المساعدات من مهام «اللجان الثورية»، الأمر الذي عطل أعمال المنظمات الإنسانية. ودعت منظمة اليونيسف أطراف النزاع في اليمن إلى السماح بوصول الإمدادات الغذائية للأطفال المحتاجين، وقالت الدكتورة ميريتشل ريلانو، القائمة بأعمال ممثل اليونيسف في اليمن في بيان حصلت «الحياة» على نسخة منه: «ندعو أطراف النزاع في اليمن إلى توفير سبل الوصول غير المشروط إلى الأطفال المحتاجين في مختلف أنحاء البلاد كي نتمكن من تزويدهم بالإمدادات الغذائية وعلاج الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية ودعم الخدمات الصحية اليمنية». سوء تغذية وأكدت المنظمة أن «حوالى 2.2 مليون طفل يمني يعانون من سوء التغذية الحاد ويحتاجون إلى العناية العاجلة، فحوالى 462000 طفل منهم يعانون من سوء التغذية الحاد الوخيم، وهي زيادة كبيرة تصل إلى 200 بالمائة مقارنة بعام 2014. كما يعاني 1.7 مليون طفل يمني من سوء التغذية الحاد المتوسط، وأنه يموت في اليمن على الأقل طفل واحد كل عشر دقائق بسبب أمراض يمكن الوقاية منها، مثل الإسهال وسوء التغذية والتهاب الجهاز التنفسي». وأشارت اليونيسف في البيان الصادر منتصف الشهر الجاري إلى أن «أعلى معدلات سوء التغذية الحاد تظهر بين أطفال محافظات الحديدة وصعدة وتعز وحجة ولحج، حيث تشكل هذه المحافظات الخمس أكبر عدد من حالات سوء التغذية الحاد الوخيم في اليمن، في حين تسجل محافظة صعدة أعلى معدلات التقزم بين الأطفال على مستوى العالم، إذ يعاني 8 من أصل كل 10 أطفال في المحافظة من سوء التغذية المزمن في نسبة لم يشهد لها العالم مثيلاً من قبل». أزمة الغذاء وشبح المجاعة الذي يخيم على اليمن، ليسا إلا من المشاكل المتعددة التي أضحت تتكالب على اليمنيين من كل مكان، حيث تعاني منظومة الحياة العامة من انهيار شامل، فإلى جانب انعدام الأمن في مختلف مناطق البلاد، وتوقف الكهرباء منذ نحو عامين على غالبية المناطق، تراجعت الخدمات التعليمية خلال سيطرة الميليشيا الحوثية على منظومة الحكم في اليمن منذ أكثر من عامين إلى مستويات قياسية وغير مسبوقة. ويقول الكثير من العاملين في حقل التعليم الذين تحدثوا إلى «الحياة» أن جميع أنظمة العمل التعليمي توقفت وأضحت الفوضى سيدة الموقف اليوم، «فالطلاب في مختلف المراحل الدراسية يدرسون بكتب قديمة بعد توقف طباعة الكتاب المدرسي، والميليشيا تتدخل في كل صغيرة وكبيرة، بما فيها فتح لجان امتحان لناس غير موجودين في صفوف التعليم، وتزويد هذه اللجان بمدرسين لحل الامتحانات، بل إن البعض ينجح دون حتى امتحان بحجة أنه في جبهة القتال ويمنح معدلات عالية تتجاوز 90 في المائة». وفي جانب الخدمات الصحية، تقول منظمة اليونيسف أن نظام الصحة اليمني أصبح اليوم على وشك الانهيار، وأوضحت أن «الرعاية الطبية في اليمن تقتصر على أقل من ثلث تعدادها السكاني، بينما أكثر من نصف المرافق الصحية فيها معطلة، ولم يتلقَ العاملون في مجال الصحة رواتبهم منذ شهور، كما تواجه وكالات الإغاثة صعوبة في إيصال الإمدادات المنقذة للحياة للناس بسبب الأزمة السياسية القائمة بين الأطراف المتنازعة». وتشكو غالبية المرافق الصحية الحكومية في اليمن التي ما زالت تعمل من نقص حاد في المستلزمات الطبية والأدوية، وتقول مصادر طبية أن الأدوية التي كانت توفرها وزارة الصحة لمرضى السرطان والفشل الكلوي وزارعي الكلى وأمراض القلب والضغط والسكر توقفت تماماً منذ نحو عامين، لعدم توفر مخصصات مالية، وأكدت المصادر التي تحدثت إلى «الحياة» أن وزارة المالية أوقفت صرف مخصصات العلاجات لهذه الأمراض، وأوقفت معها معظم مخصصات النفقات التشغيلية للمستشفيات، الأمر الذي يهدد بتوقفها عن العمل كلياً.