حفل اليوم الاول من زيارة الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد للبنان ببرنامج مكثف من اللقاءات والمواقف والاستقبالات. وعلى رغم ما يحيط بهذه الزيارة من تحفظات بعض اللبنانيين عنها وترقب من دول اجنبية لانعكاسها على مسار التطورات في المنطقة، فإن حجم الحفاوة التي استقبل بها الرئيس الايراني المثير للجدل لم يماثله حجم استقبال مماثل لرئيس اي دولة للبنان. وكانت طائرة نجاد حطت في مطار الرئيس رفيق الحريري الدولي في بيروت في التاسعة صباحاً، سبقتها طائرة اخرى على متنها وفد كبير من المسؤولين الايرانيين والاعلاميين، ضم وزراء: الشؤون الخارجية والاستخبارات والاسكان والثقافة والتعليم العالي الى جانب مستشارين ومساعدين لنجاد. ورافقت نجاد زوجته ونجله ومستشارته لقضايا المرأة. وأقيم له استقبال رسمي بحسب البروتوكول الايراني، وكان في استقباله على ارض المطار رئيس المجلس النيابي نبيه بري ممثلاً رئيس الجمهورية ميشال سليمان فيما مثل رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النيابية محمد رعد الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصر الله. وشارك في الاستقبال وزراء: الخارجية علي الشامي، والشباب والرياضة علي عبدالله، والتنمية الادارية محمد فنيش، ونواب كتلة «الوفاء للمقاومة» وكتلة «التنمية والتحرير» الى جانب شانت جنجيان بصفته عضواً في لجنة الصداقة الإيرانية - اللبنانية، فادي الاعور من كتلة «وحدة الجبل»، وأسطفان الدويهي من كتلة «المردة»، اضافة الى سفير لبنان لدى ايران زين الموسوي، وقائد منطقة جبل لبنان العسكرية العميد يوسف جرمانوس، ومساعد قائد جهاز امن المطار العميد ياسر محمود، ووالدي الأمين العام السابق ل «حزب الله» الذي اغتالته اسرائيل عباس الموسوي والقيادي في الحزب الذي اغتيل في دمشق عماد مغنية. وخاطب نجاد والد مغنية قائلاً: «انني اقبّل فيك عماد». كما حضر الاستقبال حشد من ابناء الجالية الايرانية الذين هللوا للرئيس وهتفوا له. واذ ساد المطار هرج ومرج لحظة نزول نجاد من على سلّم الطائرة، بعدما تدافع المصورون لالتقاط الصور له ومنع بعضهم من التقدم والقيام بمهمته، فإن مراسم الاستقبال تواصلت مصافحة وتقبيلاً وتعارفاً. ورحب الرئيس بري في تصريح ألقاه في صالون الشرف، في المطار بالرئيس الايراني، وقال: «قبل وصول طائرتكم قلت ان هذه الزيارة مهمة جداً بالنسبة الى الاصدقاء، ولكنها اصبحت اكثر اهمية بفضل أعدائنا، فأحياناً العدو يخدم اكثر من الصديق». وخاطبه مضيفاً: «فخامة الرئيس انت شاغل الدنيا ومالئ الناس في لبنان منذ ان أعلن عن هذه الزيارة، الحمد لله على السلامة، ولبنان كل لبنان وخصوصاً الجنوب متعطش لرؤيتكم». ورد نجاد شاكراً بري على هذا الاستقبال والترحيب وقال: «انني بين إخواني وأعتز بذلك كثيراً، اليوم هذا يوم آخر بالنسبة الينا، وخصوصاً ان نكون بخدمة إخواننا وأحبتنا الاعزاء. لدينا مثل فارسي يقول: ان العدو يصبح سبب خير اذا اراد الله. ان الأعداء دائماً يتوحشون عندما يرون ان الاصدقاء يستمتعون مع بعضهم بعضاً». وتوجه الرئيس الضيف والرئيس بري الى الجناح الرئاسي بين ثلة من لواء الحرس الجمهوري حيث كانت استراحة بعدها توجه الموكب الرئاسي الى بعبدا. قصر بعبدا في العاشرة والدقيقة 22 وصل موكب الرئيس الايراني الى مدخل القصر وكان في استقباله الرئيس سليمان، وقدم لهما طفلان باللباس التراثي اللبناني، باقتين من الزهر. وعزفت موسيقى الجيش النشيدين اللبناني والايراني. وأطلقت المدفعية 21 طلقة ترحيباً بالضيف. ثم صافح الرئيسان المستقبلين وأولهم رئيس الحكومة سعد الحريري الذي قبّله نجاد وتابع مصافحة الآخرين، فيما صافح سليمان الوفد المرافق لنجاد. وانتقل الرئيسان نجاد وسليمان الى صالون السفراء على السجاد الاحمر وعقدا لقاء ثنائياً، في حضور السفير الايراني غضنفر ركن ابادي بصفة مترجم. وتوجه اعضاء الوفد الرسمي الايراني ونظراؤهم اللبنانيون الى قاعة مجلس الوزراء، حيث انضم اليهم لاحقاً سليمان ونجاد وعقدت محادثات موسعة في حضور الحريري أعقبها التوقيع على اتفاقات ومذكرات تفاهم في مجالات: ترويج التجارة، حماية المستهلك، الطاقة والمياه، والبترول والطاقة وتكنولوجيا المعلومات والاتصال وبرنامج تنفيذي للتعاون في مجال التربية والتعليم، ومذكرة تفاهم للتعاون في مجال الصناعات اليدوية وبرنامج تنفيذي في مجال السياحة خلال عامين 2010 و2012 وبرنامج تنفيذي في مجال البيئة وبرنامج للتعاون في مجال التعليم والبحوث العلمية، ومذكرة تفاهم في مجال التبادل الاعلامي واخرى بين وكالتي الانباء الايرانية واللبنانية ومذكرة تفاهم لتأسيس اللجنة المشتركة للاستثمار. وتوجه الرئيسان الى حديقة الرؤساء يرافقهما الرئيس الحريري حيث غرس نجاد شتلة أرزة الصداقة اللبنانية - الايرانية ووقع بعدها على السجل الذهبي في صالون السفراء. ثم عقد سليمان ونجاد مؤتمراً صحافياً في صالون 22 تشرين الثاني. (في مكان آخر) وتابع نجاد لقاءاته التي انحصرت في قصر بعبدا فاجتمع مع بري ثم مع الحريري في قاعة جانبية. وأعقب ذلك مأدبة الغداء الرسمي على شرف نجاد. مأدبة الغداء وشاركت في مأدبة الغداء مروحة كبيرة من الشخصيات السياسية اللبنانية والعسكرية والروحية والحزبية واعضاء السلك الديبلوماسي العبري والاسلامي المعتمدون، وكانت لافتة مشاركة رئيس حزب «الكتائب اللبنانية» الرئيس امين الجميل ورئيس الهيئة التنفيذية ل «القوات اللبنانية» سمير جعجع كعضوين في لجنة الحوار الوطني. وأكد سليمان، في كلمة خلال مأدبة الغداء أن «لبنان يحفظ لإيران وقوفها الدائم معه وإلى جانب قضاياه المحقة في مواجهته الاعتداءات الإسرائيلية الدائمة. وفّرتم للبنان الدعم إثر عدوان تموز 2006، إذ تمكن من التصدي للعدو ودحره. تمكن لبنان من التصدي للعدوان بفضل تضامن جيشه وشعبه ومقاومته ومن ضمن إمكاناته التي تعمل الدولة اللبنانية على تعزيزها ووضعها ضمن استراتيجية دفاعية شاملة. ولبنان الذي يسعى الى إجبار إسرائيل على تطبيق القرار 1701، يحتفظ بحقه في استرجاع أو تحرير هذه الأراضي في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء الشمالي لقرية الغجر بكل الطرق المتاحة والمشروعة ونبقى مع ذلك في غاية التنبه الى خطورة الدسائس الاسرائيلية والمؤامرات الهادفة الى إضعاف لبنان وزرع الفتنة بين أبنائه وزعزعة الاستقرار فيه بعيداً من نهج التهدئة والحوار. ونعي في هذا المجال أن تحصين قدرتنا يتم من طريق التمسك بثوابتنا وبوحدتنا الوطنية وبالمؤسسات الشرعية وأسس العيش المشترك والوفاق الوطني التي قام عليها لبنان منذ إنشائه كدولة مستقلة عام 1943». ولفت نجاد في كلمته إلى أن «للبنان دوراً مهماً في المعادلات والتنمية والسلام والاستقرار على صعيد المنطقة»، مؤكداً أن «ليس في مقدور أحد أن ينكر هذا الدور». واعتبر أن «علاقات الصداقة تاريخية ومتجذرة بين إيران ولبنان، والاتصال خصوصاً في المجال الثقافي كان متميزاً»، مشيراً إلى أن «بعض كبار العلماء المميزين سافروا من إيران إلى لبنان بغرض الدراسة، أو أن بعض العلماء أتوا من لبنان إلى إيران للهدف نفسه». وإذ اشار الى أن «الاتفاقات التي وقعت بين البلدين تدل الى الإرادة السياسية في تعميق وتنمية العلاقات بينهما»، أكد «النظر إلى المواقف السياسية المشتركة والاستقلال وحرية الفكر كجهود تبذل راهناً من أجل التطور والتعالي المادي والمعنوي». ورأى أن «التواجد في هذه المنطقة بفرصها وتحدياتها المشتركة التي يواجهها البلدان عزز من التواصل بينهما»، مشدداً على أن «عزة وتنمية وتطور أحدهما هو بمثابة عزة وتطور وتنمية الطرف الآخر وكل الشعوب الأخرى». وأكد نجاد أن «الشعب والحكومة الإيرانية وقفا بكل فخر واعتزاز إلى جانب الحكومة اللبنانية»، سائلاً الله «العزّة للشعبين والحكومتين اللبنانية والإيرانية ولكل الشعوب الحرة والمستقلة»، وأبدى ثقته «بأن المستقبل المملوء بالفخر والحب والعدالة سيكون للجميع»، مشيداً «بشجاعة وعمق فكر الرئيس سليمان لصنع الفخر في المقاومة التاريخية». واعتبر أن «هذه الشجاعة غيرت الفكر السياسي لشعوب هذه المنطقة وأحيت روح الصمود والمثابرة وأيضاً الأمل والنشاط». وشكر نجاد «رئيس الجمهورية ورئيسي المجلس النيابي والحكومة، وجميع الذين يحملون عبء خدمة الشعب اللبناني، كما أقدّم شكري هنا إلى جميع الموجودين من منطلق تواجدهم ولمتابعتهم الحديث». نصب الشهداء وفي الثالثة والربع، توجه نجاد بعد الغداء الى ساحة الشهداء في قلب بيروت محاطاً بحراسة مشددة، ووضع اكليلاً من الزهر على النصب التذكاري يرافقه نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع اللبناني الياس المر، والوزير عبدالله، وقائد الجيش العماد جان قهوجي، ومحافظ بيروت بالوكالة ناصيف قالوش، ورئيس مجلس بلدية بيروت بلال حمد. وعزفت موسيقى الجيش معزوفة الموتى ولازمة نشيد الشهداء ولازمة النشيد الوطني اللبناني. لقاء اقتصاديين وتوجه نجاد الى مكان اقامته في فندق «فينيسيا - انتركونتيننتال»، وعقد في الرابعة والنصف لقاء مع رجال اعمال واقتصاديين. وألقى رئيس اتحاد الغرف اللبنانية محمد شقير كلمة خلال اللقاء اعتبر فيها ان مرافقة وفد كبير من الفعاليات الاقتصادية الايرانية لنجاد «خير دليل على رغبتكم في تعزيز العلاقات مع لبنان، وهي رغبة مشتركة عبّر عنها الرئيس سليمان كما انها تنسجم مع توجهات رئيس الحكومة سعد الحريري التي تدعو الى الانفتاح على دول المنطقة وخصوصا الصديقة منها، وايران هي دولة صديقة للبنان. كما اننا على يقين بأن الرئيس نبيه بري سيكون الى جانب التحديث وادخال التشريعات المطلوبة من اجل تعزيز العلاقات الاقتصادية بين بلدينا». وحضّ «المستثمرين الايرانيين على ان يستفيدوا من الفرص الاستثمارية السانحة في لبنان». واضاف: «ان فتح الاسواق وحرية انتقال المنتجات والصناعات - غير العسكرية طبعاً - والتنسيق بين دول المنطقة سيساهمان الى حد كبير بزيادة الناتج المحلي وخلق فرص عمل. ويبقى الاستقرار هاجس المستثمرين والقطاعات الاقتصادية، خصوصا ان منطقتنا عانت الكثير من الازمات والاضطرابات. وهنا نأمل بأن تكون زيارتكم الى لبنان فائل خير تساهم في تثبيت الاستقرار والامان لما فيه من منفعة للبلدين». واستعاد شقير زيارة «الرئيس الشهيد رفيق الحريري لايران عام 1997 فاتحاً عهداً جديداً في العلاقات الثنائية وواضعاً الحجر الاساس لتعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين. فرحم الله هذا الرجل الذي طاف العالم من اجل رفعة لبنان وخدمة شعبه». وقال: «إن لبنان المقاوم دفع دماء غالية في سبيل تحرير ارضه والاقتصاد اللبناني شكّل البيئة الحاضنة للصمود والاستمرار حتى تحول الى اقتصاد ذي مناعة قلما تؤثر به الهزات السياسية شبه اليومية. الا اننا اليوم وامام هذا الجمع المتميز وامام الضيف الكبير نحذر من ان الاقتصاد تعب ولن نتمكن من الاستمرار إلا بوحدة وطنية حقيقية نتمنى ان تساهموا في ترسيخها. دمتم اصدقاء للبنان وخوش امديد».