كرّمت عقيلة الرئيس السوري السيدة أسماء الأسد مساء أول من أمس، 88 سيدة من مدينة طرطوس (على الساحل السوري) يشكلن آخر دفعة من المتحررات من الأمية، ليعلن بعدها خلو هذه المدينة من الأمية وتنضم الى المدن الثلاث التي سبقتها وهي السويداء ودرعا والقنيطرة في جنوب البلاد. وشاركت الأسد المتحررات من الأمية بإزاحة الستار عن اللوحة التذكارية، وهي عبارة عن منحوتة تمثل كفاً تحمل قلماً مستعدة دائماً للكتابة. وتتوقع مديرية تعليم الكبار في وزارة الثقافة السورية انضمام ثلاث محافظات أخرى هي حماه وإدلب واللاذقية الى المحافظات الخالية من الأمية مع نهاية العام الحالي، لتصبح عدد المدن المتحررة نصف المحافظات ال 14. وقال مسؤول المديرية عبدالفتاح العبيد ل «الحياة» ان الوزارة تسعى حالياً للقضاء على الأمية من المحافظات الكبيرة التي فيها نسب أمية أعلى، من خلال خطة لتقسيمها الى مناطق جغرافية واجتماعية وسكانية. ولفت الى ان الهدف القضاء على الأمية بين الفئات العمرية بين 15 و45 سنة من خلال الخطة الخمسية الحادية عشرة التي تمتد بين 2011 و2015. مع العلم ان نسبة الأمية قبل عام 1970 كانت تصل الى 70 في المئة من عدد السكان، بينما تشير التقديرات الحديثة الى ان نسبتها لا تتجاوز حالياً 5 في المئة. وزاد عبيد انه الى جانب العمل للقضاء على «الأمية الابجدية» هناك برامج لدى الوزارة لما بعد الامية، تتضمن التعلم الذاتي والتعلم من بعد والتعلم المجتمعي يتم خلالها تعليم المهن بحسب الواقع الاجتماعي لكل منطقة تم تحريرها، مشيراً الى أن برنامجاً لتعليم الكومبيوتر بدأ في المحافظات التي قُضي فيها على الأمية. وساهم القانون رقم 7 لعام 1971 الذي أتاح لهيئات المجتمع المحلي والرسمي المساهمة في برامج محو الأمية دوراً فاعلاً في مكافحة هذه الآفة، كما ساهم قانون التعليم الإلزامي لعام1981 في وقف تسرب الطلاب من المدارس. وأوضح رئيس دائرة تعليم الكبار في محافظة طرطوس علي عبدالرحمن ان الحملة الوطنية للتحرر من الأمية أطلقت في عام 2006 ولمدة خمس سنوات. وبدأ العمل الفعلي بعد أن أُحدثت لجان في المناطق والقرى والأحياء لإحصاء عدد الأميين اسمياً والتعاطي معهم من خلال هذه الحملة، وبلغ عدد الأميين 670 أمياً من الفئة العمرية بين 15 و45 سنة وهي الشريحة ذات الاهتمام العالمي وافتتح لهذه الأعداد 45 صف تحرر كان يضم الصف أحياناً طالباً واحداً. وتتيح القوانين السورية الحديثة ل «المتحررات من الأمية» متابعة دراستهن من خلال تسهيلات كثيرة، اذ يمكن هذه الشريحة التقدم للامتحان مرتين في العام خلال شهري تموز (يوليو) وتشرين الثاني (نوفمبر) على مستوى صفي الخامس والسادس. ومن يجتاز هذا الامتحان يستطيع ان يتقدم الى شهادة التعليم الأساسي ويتم قبوله في شكل كامل. وشجعت هذه القوانين الكثير من السيدات على متابعة تعليمهن، منهم السيدة سميرة سليمان حسين التي أنهت دراستها الثانوية وحصلت بعدها على شهادة معهد علمي، وبدأت التدريس في المحافظة. كذلك حال زميلتها زينب عباس التي لم يستطع اهلها بسبب فقرهم تعليمها فاضطرت للعمل في البيوت حتى تخرجت في المعهد الصحي وصارت تعمل في احد المراكز الصحية. وتحدثت عباس عن معاناتها و «كفاحها» للحصول على التعليم حيث «كنت أضع الكتاب على الرف المقابل عندما كنت اغسل الصحون لأحفظ الدرس وأتابع مع ابنة صاحب الدار ما كانت تدرسه حتى استطعت ان اتغلب على جهلي». وبدأت عباس احدى النسوة اللواتي كرمتهن السيدة الأسد في «عيد الأم» في آذار (مارس) الماضي بتعلم الإنكليزية والفرنسية لمساعدة طفلها الوحيد في تعليمه». وتعتبر التفاصيل التي رويت في الحفلة قصص نجاح للنساء في كفاحهن للحصول على العلم، وتقول إلهام محمد سليمان: «أشياء صعبة كثيرة في حياتي استطعت ان انساها ولكني لم استطع ان انسى منظر اخي الصغير وهو يستعد للذهاب الى المدرسة وانا وأخواتي البنات كان علينا البقاء في المنزل». لكن سليمان لم تستسلم لقدرها وانتسبت الى إحدى دورات محو الأمية وتسلسلت الى ان حصلت على الثانوية الفرع العلمي ودرست بعدها قسم الرياضيات لتصبح معلمة في قريتها». وتشترط سليمان اليوم على طالباتها اعطاءهن علامة اضافية في مادتها اذا استطعن ان يقنعن احدى الأميات بالتقدم الى دروس محو الأمية التي ما زالت ناشطة فيها. وقدّر المكتب المركزي للإحصاء نسبة الأميين في سورية في عام 2008 بنحو 5 في المئة من عدد السكان الذين تتجاوز أعمارهم 15 سنة (عدد السكان نحو 21 مليوناً). وانخفض معدل انتشار الأمية بنسبة 8 في المئة سنوياً، وهذا سيؤدي بدوره إلى اختفاء الأمية من سورية بحلول عام 2015. ويُعرَّف الأمي بأنه «الفرد الذي بلغ سن ال 18 ولا يعرف القراءة والكتابة»، وفيما احتفلت اربع محافظات سورية بخلوها من الأمية، لا تزال بعض المحافظات الشرقية تسجل نسبة مرتفعة من الأمية تفوق 8 في المئة بحسب تقرير المكتب. وأكد التقرير أن نسبة الأمية في الريف تفوق ما هي عليه في المدن، ويظهر أن المهن الزراعية تستقطب أعلى نسبة من الأميين وهي 58 في المئة، فيما تحظى المهن الأخرى بنسبة أقل تتراوح بين 9 و13 في المئة.