هيمنت الأوضاع في السودان والتحضيرات للاستفتاء المرتقب على تقرير مصير جنوبه وتبعات الانفصال المتوقع على أعمال القمة العربية - الأفريقية الثانية التي عقدت في مدينة سرت الليبية أمس بمشاركة رؤساء وممثلي أكثر من 60 دولة عربية وأفريقية، وأطلقت شراكة استراتيجية بين الجانبين تحقق مصالحهما المشتركة، وإن شدد المشاركون على أنها تتطلب تحقيق الاستقرار أولاً. وأبى الزعيم الليبي معمر القذافي أن يختتم قمتي سرت العربية الاستثنائية والعربية - الأفريقية، من دون مفاجآت تثير جدلاً في أروقة القمة وبين المسؤولين الحاضرين فيها، فدان «بأقوى العبارات استعباد أثرياء العرب المشين الأفارقةََ». وقدم خلال الجلسة الافتتاحية لقمة أمس اعتذاراً للقادة الأفارقة عن «هذا الأمر المستنكر». مبارك: شراكة تحقق المصالح وافتتح الرئيس المصري حسني مبارك القمة التي عقدت تحت شعار «نحو شراكة استراتيجية عربية - أفريقية»، باعتبار أن بلاده تولت رئاسة القمة الأولى التي عقدت قبل 33 سنة. وقال مبارك في كلمته إنه يتطلع إلى «شراكة عربية - أفريقية تحقق المصالح والمنافع بين الجانبين في شتى المجالات»، مشيداً ب «جهود مفوضية الاتحاد الأفريقي والأمانة العامة للجامعة لإنجاح المؤتمر، وهي الجهود التي أسفرت عن استراتيجية جديدة للتعاون البعيد المدى في مجالات السلم والأمن والتنمية الزراعية والأمن الغذائي وفي المجالات الاجتماعية والثقافية، ما يرسي أساساً متيناً لهذه الشراكة يحقق طموحنا». وأضاف: أن «مصر تولي أهمية للعلاقة العضوية بين السلم والأمن من ناحية وتحقيق النمو المتواصل والشامل من ناحية أخرى»، مشيراً إلى أن «القضية الفلسطينية كانت نموذجاً حياً للتضامن العربي - الأفريقي... ووقفت أفريقيا إلى جانب الحقوق العربية ودعمت الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، بما في ذلك حقه في التخلص من الاحتلال وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس». وحذر من تصوير أي نزاع على أنه نزاع عربي - أفريقي على نحو ما حدث في دارفور. وعبر عن تطلعه لتعزيز التشاور والتنسيق السياسي «دعماً لمواقف بعضنا بعضاً وللمزيد من التعاون في مجالات التجارة والاستثمار والكثير من المجالات مثل التعدين وتطوير إدارة الموارد المائية وتدريب وبناء الكوادر والقدرات. وأثق كل الثقة في أننا نخطو في هذه القمة خطوات ثابتة نحو الشراكة نعتمد فيها على التزام سياسي، ونمضي يداً بيد لنضع الشراكة العربية - الأفريقية على مسار جديد». القذافي يحذر من استقلال جنوب السودان وبعد ذلك، سلم مبارك رئاسة القمة إلى القذافي الذي ألقى خطاباً طويلاً حذر فيه من تبعات استقلال جنوب السودان. وقال إن «ما يجرى في السودان هو مرض وعدوى شديدة ستكون لها تداعيات في أفريقيا... إذا انفصل جنوب السودان، سنرى تغييراً غير بسيط في خريطة أفريقيا، وإن حصل الانفصال سيكون شرخاً». ورأى أنه «بصرف النظر عن حق الجنوب في تقرير المصير، فإن هذا الحدث خطير وستكون له تداعيات، وسيكون جنوب السودان نموذجاً مشجعاً لتصدعات أخرى، وهذا يدخلنا في مرحلة رسم خريطة أفريقيا من جديد، العرقيات والاثنيات ستطالب بالاستقلال». وأشار إلى أن «الأمر متروك لأهل الجنوب، لكنني أتحدث عن النتائج... ليست هذه النهاية. إنها بداية تصدع الخريطة الأفريقية». وتساءل: «لو أصبح السودان دولتين، ما الذي يمنع ظهور مطالبات في دول الجامعة العربية بتقرير المصير على أساس ديني، خصوصاً أن هناك قوى صهيونية وإمبريالية ستسعى إلى هذا؟». ودعا إلى استثمار رأس المال العربي في أفريقيا. وأعرب عن أسفه «لعدم عقد قمة منذ عام 1977 بينما نرى تكتلات قوية على المستوى الإقليمي والدولي، فمن باب أولى أن يجتمع العرب والأفارقة وأن يلتحموا لما يربط بيننا من الناحية الجغرافية والديموغرافية، ونحن مضطرون لأن نلتحم لمواجهات التحديات». وأضاف: «ينبغي أن نلتئم كل ثلاث سنوات على الأقل لعقد قمة بين الأفارقة والثلث المتبقي من العرب، فثلثا العرب أفارقة». وتابع: «سأتطرق إلى مسألة حساسة... لماذا لم نعقد قمة من عام 1977 حتى الآن بينما هناك قمم أفريقية مع أوروبا ومع أميركا الجنوبية وهناك قمم إقليمية عبر كتل أخرى وقمم عربية مع فرنسا والهند واليابان والصين؟ يبدو أن هناك شيئاً في النفس وأريد أن أتشجع وأعرض حدوتة تاريخية... أدين وأقدم باسم العرب الاعتذار والتأسف الشديد للسلوك العربي، خصوصاً من الأغنياء منهم، تجاه الأفارقة». واعتبر أن «أغنياء العرب مارسوا ممارسات مخجلة تجاه إخوانهم الأفارقة الذين اشتروهم وجلبوهم إلى شمال أفريقيا والجزيرة العربية واستعبدوهم وباعوهم ومارسوا الرق وتجارة البشر في شكل مشين... نحن نخجل حين نتذكر أن نظرة العرب إلى إخوانهم الأفارقة كانت مثل الأميركيين والأوروبيين الذين عاملوهم كحيوانات ثم كعبيد ثم استعمروهم حتى هذا اليوم. وأقدم الاعتذار عن تلك الممارسات وندينها وأقول ما دمنا نحن الأفارقة نسينا أو غفرنا للغرب الذي مارس ضدنا عبودية واسعة النطاق وقهر وقتل واستنزاف لثرواتنا، فمن باب أولى أن نسقط من نفسيتنا تصرفات أغنياء العرب وتجار البشر». ودوت القاعة بتصفيق الوفود الأفريقية فور حديث القذافي عن هذا الأمر. سعود الفيصل: آليات عملية للشراكة وفي كلمته أمام الجلسة المغلقة، دعا وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل إلى وضع «آليات عملية» لتحقيق أهداف الشراكة العربية - الأفريقية، منوهاً بتاريخ العلاقات بين الجانبين. وأشار إلى أن «من الروابط التاريخية والجغرافية والسياسية والاقتصادية التي تجمع بين الأمة العربية والدول الأفريقية، ما يصعب حصره أو تحديده، خصوصاً أن الكثير من الدول العربية تنتمي جغرافياً الى هذا الجزء من العالم وتعتبر جسراً طبيعياً مع الدول الأفريقية الصديقة». وقال: «نتطلع إلى أن يشكل هذا المؤتمر نقطة تحول في مسيرة التعاون العربي - الأفريقي من خلال دعمه وتكريسه وتحديد مناشطه وآلياته والتعويض عن فترة الانحسار والضعف التي شهدها». وأضاف أن «دولنا مجتمعة غنية بالموارد الأولية ومصادر الطاقة والقوة البشرية ما يجعلها مؤهلة لتشكيل تجمع اقتصادي مؤثر عالمياً»، داعياً إلى «توثيق آفاق تعاوننا وتنويعه وتكثيف الجهد لتأسيس شراكة حقيقية بين المجموعتين العربية والأفريقية مع وضع الآليات العملية اللازمة لبلوغ هذا الهدف». موسى: تأثير الاستفتاء على الاستقرار وأعرب الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى في كلمته أمام الجلسة المغلقة للقمة، عن خشيته من أن يؤدي الخلاف على استفتاء تقرير مصير جنوب السودان إلى زعزعة الأمن والاستقرار في أفريقيا والشرق الأوسط. وقال إن «العمل جارٍ مع الأشقاء السودانيين لحل المسائل العالقة لما قبل الاستفتاء وما بعده». وشدد على ضرورة «الإعداد الجيد لهذا الاستفتاء لنضمن مسيرة سليمة له». وطالب بأن يكون هذا الاستفتاء «نزيهاً وشفافاً حتى يعكس إرادة سكان جنوب السودان ومنطقة ابيي» الغنية بالنفط المتنازع عليها بين الشمال والجنوب. وأضاف: «نبغي السلام في السودان أكان سيبقى تحت علم واحد أم سيكون هناك شمال وجنوب». وفي ما يخص التعاون العربي - الأفريقي، أشار إلى ان «هناك عملاً كثيراً من أجل التنسيق على مختلف المستويات بعد أن تجذر مفهوم الفضاء الواحد، وعلى ضوء تجربة السنوات القليلة الماضية من العمل المشترك على اتساع القارة الأفريقية والعالم العربي». ونوه ب «التعاون الوثيق بين العرب وأفريقيا على صعيد القضية الفلسطينية». زعماء أفارقة لتعزيز الشراكة وقال رئيس الغابون علي بونغو إنه يتمنى «الوصول إلى شراكة جديدة مع العرب وإثراء الاستراتيجية الجديدة بالتعاون الثقافي والاقتصادي والمالي». وأضاف: «حجم وقوة التزامنا لن يكون له قيمة فعلية إلا إذا تحول إلى واقع ملموس». ثم تحدث رئيس تشاد إدريس ديبي ممثلاً عن دول الساحل والصحراء، فحيا القذافي لإثارته للمرة الأولى «مسألة الرق الذي عانته أفريقيا في تاريخها من جانب العرب»، معتبراً أن «الاعتذار الذي أعلنتموه ينم عن شجاعة كبيرة». وأكد تضامن العرب مع أفريقيا في موضوعات التنمية ودعم القضية الفلسطينية، معتبراً أن «التعاون في الحفاظ على استقرار السودان دليل على قوة الشراكة العربية - الأفريقية». وتحدث بعدهما رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي جان بينغ الذي ألقى كلمته بلغة عربية ركيكة. وأكد «ضرورة الانطلاق في شراكة عربية - أفريقية تحقق مصالح الجانبين»، وشدد على التضامن مع الدول العربية في ما يخص القضية الفلسطينية. وقال إن «أفريقيا تسعى إلى الخروج من التهميش الاقتصادي الذي تعاني منه خصوصاً عبر تعزيز الاستثمارات وتكثيف التجارة» مع الدول العربية، معتبراً أن التجاور الجغرافي بين الدول الأفريقية والعربية يمثل «فرصة أكيدة». أمير الكويت: مواجهة التحدي الأمني واعتبر رئيس الدورة المقبلة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد أن «التحدي الأمني المتمثل في الممارسات الإسرائيلية غير الشرعية يمثل تحدياً لانطلاق شراكة استراتيجية بين الجانبين العربي والأفريقي». وقال إن «شعوب الجانبين تتطلع إلى تحقيق مستقبل أفضل، ونحن مطالبون بالتعاون الجاد والمستمر لتمتين الروابط الاستراتيجية بيننا». وأوضح أن «القارة الأفريقية تمتلك موارد غنية لكنها تحتاج إلى الاستقرار لحسن استغلال هذه الموارد». واختتمت الجلسة الافتتاحية بكلمة للرئيس السنغالي ممثلاً عن «منظمة المؤتمر الإسلامي» قال فيها إن «العلاقات العربية - الأفريقية متعددة الجوانب، ويجب أن نستخدم الشراكة من أجل النمو الاقتصادي». وجدد تأييد «المطالب المشروعة للشعب الفلسطيني، خصوصاً إنشاء دولة مستقلة عاصمتها القدس». الجلسة المغلقة وبعد انتهاء الجلسة الافتتاحية، عُقدت جلسة مغلقة تداول فيها القادة العرب والأفارقة في مشاريع القرارات الصادرة عن القمة، وهي قرار الشراكة الاستراتيجية الأفريقية - العربية، وقرار خطة العمل الأفريقي - العربي المشترك خلال السنوات الخمس المقبلة، وإعلان سرت، وقرار إنشاء الصندوق الخاص بالكوارث، والبيان الاختتامي للقمة، والقرار الخاص بموعد ومكان عقد القمة الثالثة التي ستستضيفها الكويت بعد ثلاث سنوات. وتضمن إعلان سرت 70 بنداً. وأكد الحرص على تعزيز العلاقات بين الإقليمين، وأنه من أجل تحقيق السلم والأمن والاستقرار في العالم، ينبغي أن يكون التعاون بين الإقليمين على أساس الالتزام بالعلاقات المتعددة الأطراف واحترام القانون الدولي. واعتبر أن «السلام والأمن والاستقرار في المنطقتين هي الركائز الأساسية لدفع مسيرة الازدهار الاقتصادي والتنمية الاجتماعية». ودان «الإرهاب بأشكاله ومظاهره كافة». وأبدى «قلقاً عميقاً من استمرار عمليات القرصنة البحرية وتوسعها». ورحب «بتوقيع الدول العربية والأفريقية على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية»، مشدداً على «أهمية التنسيق بين الدول العربية والأفريقية في المحافل الدولية المعنية بنزع السلاح». وأكد «الدعم الراسخ والمساندة الكاملة لنضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي وحقه في ممارسة حقوقه الوطنية غير القابلة للتصرف، بما في ذلك حقه في تقرير المصير والعودة إلى وطنه والعيش في سلام واستقرار داخل حدود دولة فلسطين المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدسالشرقية»، معرباً عن «القلق من استمرار التوتر والعنف والعمليات العسكرية والأعمال الإرهابية التي تجتاح الشرق الأوسط». وشدد على «احترام سيادة السودان ووحدة أراضيه واستقلاله، الترحيب بما بذل من جهود لحل مشكلة دارفور وتطبيع العلاقات بين تشاد والسودان». وشدد على «أهمية استكمال المفاوضات حول قضايا وترتيبات ما بعد الاستفتاء في جنوب السودان»، وأبدى قلقاً من استمرار أعمال العنف في الصومال. وأكد «ضرورة احترام وحدة وحرية وسيادة العراق واستقلاله وعدم التدخل في شؤونه الداخلية واحترام إرادة الشعب العراقي في تقرير مستقبله بحرية». ودعا إيران إلى «الاستجابة لمبادرة دولة الإمارات العربية المتحدة للتوصل إلى حل سلمي لقضية الجزر الإماراتية الثلاث وذلك من خلال المفاوضات الجادة والمباشرة أو إحالة القضية على محكمة العدل الدولية». وعبر عن «القلق العميق في شأن العقوبات الأحادية الجانب على سورية من طرف حكومة الولاياتالمتحدة الأميركية». ورحب بالاتفاق بين جيبوتي وأريتريا في 6 حزيران (يونيو) 2010 تحت رعاية قطر وبالتقدم المحرز في عملية السلام في بوروندي وتحسن الوضع الأمني في الكونغو الديموقراطية. وأعرب عن «الارتياح للتطورات الأخيرة في غينيا بإجراء جولة الانتخابات الرئاسية والقلق في شأن تطورات أوضاع مدغشقر والتطورات التي حدثت في غينيا بيساو والتطورات الأخيرة التي شهدتها النيجر». وأقر القادة إنشاء صندوق لمواجهة الكوارث التي قد تتعرض لها أي من دول الإقليمين على أن يمول من مساهمات الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي ومساهمات الدول الأعضاء وتبرعات هذه الدول والمؤسسات الراغبة في التبرع. ويشير البيان الختامي للقمة الذي أقره القادة إلى أن استراتيجية الشراكة هذه هي الوسيلة الرئيسة لإحياء التعاون ودفعه في خضم التحديات الراهنة. وكلف وزراء الجانبين عقد اجتماعات دورية مشتركة لبلورة خطط العمل واتخاذ التدابير التنفيذية في مجالات تخصصهم، داعياً المجتمع الدولي ومجموعة الدول الثماني خصوصاً، إلى الوفاء بتعهداتها في شأن إصلاح النظام المالي والنقدي العالمي.