اختار 20 فناناً فلسطينياً وعربياً وعالمياً بلدة بيرزيت القديمة ليعرض كل واحد منهم، بطريقته الخاصة، مشاهداته في فلسطين، في ختام ورشة عمل استغرقت أسبوعين نظمتها «غاليري المحطة» للسنة الثانية على التوالي. ولم يكن صدفة اختيار بيرزيت القديمة مكاناً للعرض، وعلّل ذلك الفنان التشكيلي رأفت أسعد، أحد مؤسسي الغاليري المحطة بقوله: «نريد أن نذهب للناس، بدلاً من أن يأتوا إلينا، إلى جانب أن الأماكن التي عرضت فيها الأعمال الفنية شكلت في كثير من الأحيان جزءاً أساسياً منها». جدار الفصل العنصري والاستيطان والحواجز والخروق الإسرائيلية والحياة الفلسطينية في ظل الاحتلال وأحلام الفلسطينيين أطفالاً وشباناً... كلها كانت حاضرة في هذه الأعمال الفنية. الفنان الإنكليزي جيريمي هتشيسن عكس معاناة الفلسطينيين من جدار الفصل العنصري من خلال «فيديو توثيقي» لسائح إنكليزي يركب دراجته من رام الله إلى القدس، ولكن حائطاً كبيراً مبنيّاً على عرض الشارع يعيق رحلته. كما تحدث من خلال «فيديو توثيقي» آخر عن بقاء الفلسطينيين يدورون مكانهم، غير قادرين على التقدم إلى الأمام بسبب معيقات الاحتلال، حيث صوّر رجلاً فلسطينياً يحاول السفر بسيارته إلى رام الله، لكنه كلما يتقدم إلى الأمام ينتهي به المطاف إلى حيث بدأ. وفي عرض فيديو آخر (عمل تركيبي)، يعبر الفنان الألماني بنديتكيت بارتنهمر عن بقاء الفلسطينيين في دائرة مغلقة، محرومين من التفكير بالمستقبل، بسبب الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة. وعبرت الفنانة التركية سيشيل يايلالي عن أحلام أهالي مخيم بيرزيت من خلال صندوق خشبي ملأته بهذه الأحلام، كُتبت بخط أيديهم، فأحدهم حلم بأن يكون لاعب كرة قدم، ومنهم من كتب بخط بارز: «لكل واحد وطن يعيش فيه، إلا إحنا لنا وطن يعيش فينا». وللفنانة التركية يايلالي عمل آخر في الورشة هو وعاء الدموع عبارة عن قارورة كانت تستخدم في العصور الرومانية لتجميع الدموع، وقد ملأت هذه القوارير ببذور آخذة بإطلاق البراعم. وفي زاوية أخرى من المعرض، تقف الفنانة النرويجية الشابة مالين لينشتروم الى جانب كرسي لمصاب، يحمل آثار طلقات نارية، وتوضح أنها زارت عائلة فلسطينية في نابلس، اقتحمت قوات الاحتلال منزلها وقتلت أحد أفرادها، ولا تزال هذه العائلة تحتفظ بالأثاث الذي اخترقته الطلقات النارية خلال اقتحام المنزل، فقررت «أن أقوم بعمل يوحي بذلك، فاخترت كرسياً بدا كأنه تعرض لإطلاق نار وكتبتُ عليه (كرسي مصاب)». وعلى الحائط المقابل للكرسي لوحة للفنانة لينشتروم، هي عبارة عن تقرير لمنظمة «أوتشا» من 73 صفحة، ضغطته ليكون «نصّاً على ورقة». وعن العمل تقول: «المعلومات غامرة وصعبة الاستيعاب، إن كثافة المضمون تعكس نفسها في كثافة النص»، مشيرة إلى أن لها لوحة على مدخل الورشة كتبت عليها: «نعيش في الخيال.. يعيشون في حالة إنكار». وفي الغرفة المقابلة تنبعث رائحة قوية من مجسم لمستوطنة بعنوان «أريئيل 2»، وهو مبني من أغلفة علب مساحيق الغسيل ومخلفات يومية، للفنان البلجيكي توم بوغارت، الذي يتحدث من خلال هذا العمل عن نشاطات البناء الاستيطاني في فلسطين، في حين أشار إلى أن هذا العمل هو عبارة عن الفصل الثالث من عمله IPO . الفنانة الألمانية يوهنا فنروريس المشاركة في الورشة عرضت طريقة للتخلص من جدار الفصل العنصري، فصوّرت فيلم لدقيقتين يظهر فيه رجل يحطم أجزاء من الجدار الإسمنتي المرتفع الذي يفصل القدس عن الضفة الغربية، ليقوم بعد ذلك بجمعها. «فلسطين المفقودة» عملٌ فني، عكست من خلاله الفنانة الجنوب أفريقية أنيا دي كليرك تجربتها عندما حاولت البحث عن فلسطين على موقع غوغل للخرائط، لكنها لم تجدها، فقامت بطباعة ما حصلت عليه من نتائج، كما طبعت الرسالة التي بعثتها إلى «غوغل» تسأل فيها عن فلسطين، وكتبت بجانب عملها: «إنه لمن المستحيل تحديد مكان فلسطين على «غوغل» للخرائط، ففي هذه الحالة تظهر فلسطين في الساحل الغربي لأميركا الشمالية. فلسطين في مكان آخر... يضع «غوغل» فلسطين عشوائياً في منطقة قريبة من الموقع الذي تقوم بالبحث منه... ونتيجة لذلك محت «غوغل» فلسطين، وتبقى إسرائيل فقط هي الموجودة بحسب هذا النظام... إنها غير موجودة في مخيلات مجتمعات كبيرة من مستهلكي معلومات شبكة الإنترنت». وإلى جانب لوحة للفنان الفلسطيني معين حسونة تتلامس وتتداخل فيها أجساد عديدة، كتب يقول: « أرى كل ما حولي مبهماً غير مفهوم، يستدرجك لحالة من اللا إدراك، وجوه الناس غير واضحة المعالم، يريدون أن يتكلموا ولا يفعلون، عيونهم تحيرك، لا تترك لك المجال لتبتعد، فهي تلاحقك كأنك أخذت عزيزاً منها». وصورت الفنانة ميساء عزايزة من فلسطين الطريق بين حيفا وبير زيت من خلال مجسمين متقابلين للمدينتين، «بينهما طريق محشو بالفلزات، وحتى الأشجار على جانبي الطريق تمد أذرعها وتتفلّز، وحتى الهواء العازل فوق الطريق مشبّع بالفلزات، وفي النهاية الطريق تصير إلى دائرة مغلقة، ولكن من سرق البطارية؟ من أعطب الكربون فيها؟»، كما كتبت بجانب هذا العمل. ومن خلال رسم متحرك على قماش، عبّرت الفنانة البرازيلية رافئيل توندي عن صعوبة فقدان لوحة، إلا أنها علقت بالقول: «فقدان لوحة أمر مؤلم، لكنه لا يُقارن بفقدان ثورة».