جمع منتدى «روسيا تناديكم» الذي افتتح أعماله أمس في موسكو، مستثمرين وصناع قرار في شركات عالمية كبيرة، في وقت تتحرك الحكومة الروسية لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية، من خلال تأمين ما يعتبره المسؤولون «شروطاً ملائمة للاستثمار»، في ظل بدء احتدام المنافسة بين الدول الكبرى والصغرى لجذب الأصول الأجنبية، وتعويض نقص السيولة في معظم الأسواق منذ اندلاع أزمة المال العالمية. وحرصت القيادات السياسية والاقتصادية والمالية الروسية على حضور المؤتمر الذي نظمته مؤسسة «في تي ابي»، وألقى رئيس الوزراء فلاديمير بوتين ووزيرا المال الكسي كودرين والاقتصاد الفيرا نابولينا، كلمات تؤكد استقرار الوضع الاقتصادي والمالي الروسي. وعلى رغم تراجع الاستثمارات الأجنبية في روسيا خلال العامين الماضيين، أكد اقطاب الشركات الاستثمارية والمالية فيها، الذين شاركوا في المؤتمر، أن تدفق الاستثمارت إلى روسيا يشهد بعض الانتعاش بفعل نجاح إجراءات التصدي لتداعيات الأزمة التي اتخذتها الحكومة. وأظهرت استطلاعات المنظمة العالمية للدائنين، عدم توقف تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى روسيا، على رغم ظروف الأزمة العالمية، وبلغ حجمها 40 بليون دولار عام 2009 . فيما توقعت وزارة المال، أن يعود حجم الاستثمارات إلى مستوى ما قبل الأزمة بحلول عام 2011. واحتلت روسيا المرتبة الخامسة في قائمة البلدان الأكثر جاذبية للاستثمارات الأجنبية المباشرة عالمياً، وحلّت الصين في مقدم القائمة تلتها الهند والبرازيل والولاياتالمتحدة، وفق تقرير مؤتمر الأممالمتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)، على رغم تراجع الاستثمارات الأجنبية في الاقتصاد الروسي في النصف الأول من العام الجاري بنسبة 5.5 في المئة، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، لتبلغ 30.4 بليون دولار، بحسب هيئة الإحصاء الفيديرالية الروسية. ورجّح خبراء شاركوا في المؤتمر الذي يستمر يومين، أن تشغل روسيا المرتبة التاسعة بين اكبر عشرين بلداً مستثمراً في الاقتصاد العالمي على مدى الأعوام الثلاثة المقبلة، بعد الولاياتالمتحدة والصين وألمانيا وبريطانيا وفرنسا والهند وكندا وإسبانيا. وقدّروا أن يبلغ حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في العالم نحو 1.2 تريليون دولار هذه السنة، وأن يرتفع الى 1.5 تريليون العام المقبل، وإلى تريليونين عام 2012. ويشكل خفض الضرائب، مجالاً جاذباً للاستثمار في روسيا بحسب المعايير الأوروبية، إذ خُفّضت من 24 إلى 20 في المئة، إضافة إلى ازالة العراقيل الإدارية، وتطوير القطاع المالي. وتحاول الحكومة الروسية من خلال مؤسسة «في تي بي» المالية التي تملكها، جذب اهتمام المستثمرين الأجانب لتوظيف السيولة في الاقتصاد الروسي، من خلال ترسيخ نظرية أن الأزمة «تهيئ لفرص جديدة، ومن يأتي أولاً يحظى بالسبق ومن يتأخر يبقى رهناً بالظروف». وأعلن نائب رئيس الوزراء وزير المال ألكسي كودرين، أن الحكومة «تخطط للحصول على 50 بليون دولار في السنوات الخمس المقبلة، من خلال تخصيص حزمة الأسهم الحكومية للشركات الكبرى والمصارف. كما تعتزم تقليص حصتها في بعض الشركات الى حد الحصة المسيطرة، وهي 51 في المئة». وكان بوتين اكد خلال زيارته الأخيرة للإمارات قبل شهرين تقريباً، استعداد بلاده لمساعدتها في مجال التكنولوجيا، في مقابل تدفق الاستثمارات الإماراتية الى روسيا. وأشار الخبراء الى ان روسيا «تسعى الى تطوير قطاع الصيرفة الإسلامية، لاستقطاب الاستثمارات العربية، خصوصاً من منطقة الخليج الغنية بالنفط». ولفتوا الى ان تطوير الأموال الإسلامية، بات يحمل اهمية استراتيجية في روسيا، الطامحة إلى تأسيس مركز مالي. وتحدث المدير التنفيذي لمركز دبي المالي العالمية عبدالله العور، عن تجربة امارة دبي في تطوير مركزها، الذي بات يضم نحو 900 مؤسسة مالية وشركات تأمين واستثمار، بينها مؤسسة «في تي بي»، التي تعتبر اكبر مؤسسة مالية في روسيا. وأشار في مقابلة مع «الحياة»، الى ان روسيا «تحاول الاستفادة من تجربتنا لتأسيس مركز مالي عالمي في موسكو». ولفت الى ان مركز دبي المالي العالمي، اطلق حديثاً قسماً لإدارة العلاقات الخارجية، التي تركز على سبل التعاون مع الأسواق العالمية والناشئة. وأكد ان الشركات الروسية الراغبة في الاستثمار في الهند وجنوب افريقيا وآسيا، بدأت تلجأ الى مركز دبي المالي العالمي، لمساعدتها في دخول هذه الأسواق، باعتباره حلقة وصل للتدفقات المالية في هذه المناطق من العالم. كما يعمل المركز على استقطاب الاستثمارات الروسية الى المنطقة وبالعكس. وأشار الى تجاوز حجم التبادل التجاري غير النفطي بين روسيا والإمارات، 727 مليون دولار العام الماضي، إضافة الى وجود استثمارات اماراتية كبيرة في روسيا. ويقدر حجم التبادل التجاري بين روسيا والبلدان العربية ب 5.5 بليون دولار، منها نحو بليونين مع العراق. واعتبر مسؤول من مؤسسة «في تي بي» التي تملك اصولاً تتجاوز 100 بليون دولار، ان فتح مكتب في مركز دبي المالي العالمي في ايار (مايو) عام 2009، المحطة الرئيسة للتوسع المنشود الذي تخطط له الشركة لأعمالها الاستثمارية في المنطقة. ويتماشى افتتاح هذا المكتب مع استراتيجية الشركة للنمو على المستوى الدولي، والموجهة إلى الأسواق الرئيسة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأوروبا والشرق الأقصى. وقال: «الإمكانات لزيادة التدفقات المالية بين روسيا ومنطقة الخليج في الاتجاهين ضخمة، وأعتقد أن حضورنا هنا سيسرّع نمو علاقة مالية أوثق بين هاتين المنطقتين المهمتين».