في ضوء علمه بأصداء تصريحاته في شأن الواقي الذكري بأفريقيا، ومفاقمته (المفترضة) مشكلة عوز المناعة المكتسب (الإيدز)، يبدو لي البابا بينيديكتوس السادس عشر غير مسؤول. فالأفريقيون ينسبون المرض الى البيض، ويحسبونه من صنيعهم. ويحملون الواقي على علاج يفرضه البيض أنفسهم. واحتاج إقناع الأفريقيين بقبول الواقي الى حملات طويلة ومتكررة. فإدلاء البابا بما أدلى به يؤدي لا محالة الى إحراج الناشطين الميدانيين والمساعدين الاجتماعيين. ولا أنكر على الكنيسة الحق في الإدلاء برأيها في المسائل الأخلاقية ومعايير الحكم فيها. ولكنني لا أرى ان الحق هذا يسوغ تطفلاً على معالجة المسائل الجنسية، على نحو ما صدمني تناول الرسالة البابوية «في الحياة الإنسانية» (1968) مسألة الوقاية من الحمل. فليس شأن الكنيسة معرفة ما يحصل في فراش الناس وحجرة نومهم. والاستثناء الوحيد يطاول المسائل البيولوجية والأخلاقية، فابتداء الحياة وخاتمتها هما شأن يهم الناس كلهم، والكنيسة منهم. ولا شك في أن يوحنا بولس الثاني دان استعمال الواقي الذكري. ولكن خلفه لم يقتصر على الإدانة. فهو ذهب الى أن الواقي «يفاقم» المشكلة، وهو قال هذا في الطائرة، وقبل أن تحط طائرته في المطار، ويحاور الناس. ويستمع اليهم ويناقشهم. فكلامه معياري والزامي جاهز. وهو في الحال هذه شأنه في أحوال أخرى، يظهر على الملأ حدود نظام قوي المنزع السلكي والمرتبي والأمري. فالفاتيكان، والإدارة الفاتيكانية، ومجمع الكرادلة، والمسؤولون عموماً، يتقلبون في عالم منقطع من العالم الفعلي. وعلاج الانقطاع دعوة المدنيين (العلمانيين) الى الاضطلاع بدور أرجح من الدور الذي يضطلعون به اليوم، وإصلاح نهج الحكم في الكنيسة، فلا يسع رجلاً وحده حكم 1.5 بليون كاثوليكي. ومنذ وقت قريب، في كانون الثاني (يناير) المنصرم، انتخب بطريرك روسيا، ودالته تشمل 250 مليون مؤمن، مجلس من 700 شخص، رجالاً ونساءً، مدنيين ومدنيات. وأما البابا فينتخبه مجلس من 100 كاردينال، كلهم رجال. والحق أن قرارات بينيديكتوس السادس عشر كلها يجمع بينها بعثها الماضي، وإشاحتها عن النظر الى المستقبل، وميله المضمر الى الأصوليين، على ما دل الغاؤه الحرم على أساقفة أخوية بيوس العاشر، يدعو الى الخشية. والى اليوم لم يجهر الفاتيكان رأيه في رمي والدة البنت البرازيلية الفتية بالحرم، جراء حمل ابنتها بتوأمين في أعقاب اغتصاب زوج والدتها إياها.ولكن رد المؤمنين يدعو الى التفاؤل، ويخفف التشاؤم. فثمة رأي عام كاثوليكي يتبلور تدريجاً. والمسألة هي مسالك تأثير الرأي العام هذا، بينما تقنع الدوائر الرسمية الفاتيكانية بالقيل والقال. ولعل قول الأسقف اندريه فانتتروا أنه حري بأوروبا الغربية ألا تبقى مسمرة العينين على شبه الجزيرة الإيطالية، خطوة على طريق الاستقلال عن الفاتيكان. فمراتب سلك الاكليروس العليا انتبهت الى الطريق المسدودة، والى الحاجة الى الخروج منها. * عالمة لاهوت ومؤسسة «لجنة التنورة»، عن «ليبراسيون» الفرنسية، 19/3/2009، إعداد و. ش.