أخاف كما المذعورة حينما أدخل أية بقالة وأرى أعداد الجرائد وقد عُلقت على زاوية الواجهة. فلا تستغرب لو جاء يوم رأيتني فيه أصرخ لا... لا... جريدة سعودية.. لا! وأهرب بسبب هذه الإثارة المقززة والأخبار العدوانية والصور المتوحشة كالصخور؟ لم أعد أجد مبرراً لكل هذا سوى طمع وجشع في البيع لتغطية تكاليف الطبع والتوزيع، تسويق قاد إلى التسويء، وإلا فما الذي حل بجرائد كانت قراءتها متعة فانقلبت إلى ذعر وفزع وخوف؟ أفلا يفهم محرر صفحاتها أن بعض أوراقها صارت خاوية من القراء؟ وقد أعطيتها فرصة أخيرة قبل مقاطعتي لها، إذ كنت أفتح الجريدة وأعزل أوراقها ثم أفرزها عن بعضها البعض، تفادياً للصور القبيحة والأفعال المشينة، ثم أبحث عن خبر وديع لطيف أفهم منه وأرتاح إليه من دون أن أصحو صباحاً وأجد فيها ما يثير انفعالات سلبية لي قد تصل بي إلى أن أقاطع المجتمع، لأنهم يلقون الضوء على حادثة فردية ويعرضونها كأنها شاملة عامة. أنا أحب مجتمعي وناسي وأريد أن أتواصل معهم وأفرح وأكون سعيدة لهم ومعهم، على رغم أنف أية جريدة ومحرريها، فلم لا نطالبهم باستحداث صفحات مثل أفراح الناس، حكايا الناس، طرائف الناس، إنجازات الناس، أو أين تمشي الناس؟ كيف تتعلم؟ وأين تتنزه؟ لماذا لا يساعدونني كي أجد لي وظيفة؟ لم لا يعلمونني كيف أكتفي بما عندي لا أن أثور على جشع تاجر؟ لماذا لا يبحثون عن موظف عادي هو قدوة في الصدق والأمانة ويلقون الضوء عليه ولو مرة حتى أسامحهم بمئة نصاب، ولماذا لا يعلمون الرجل آداب الحياة الزوجية بدلاً من طرح ألف نوع من أنواع الزواج وفنون تعذيب الزوجة؟ يا أخي حتى العنف الأسري بدلاً من ترويضنا ونبذنا له يطرحونه بطريقة تجعل الذي لم يعنف نملة يتعلم منهم تعنيف أسرة، هذا علاوة على شجار المقالات الذي صار ينشب ما بين كاتب وكاتب أو بين كاتب وقارئ أيضاً، هذا يدافع وذاك يقاتل وهجوم معاكس وهجوم مضاد. المطلوب يا محرر هو مساعدة القراء على إشعال شمعة لا على لعن الظلام. على البحث عمن يثير الدهشة والمفاجأة لا «المفاجعة»، عن صورة جميلة وليست مبتورة، عن جمل مفيدة لا عن جمل وكأن كاتبها قد قطعها في منتصفها من أجل النقد الهدام، عن كاريكاتير مضحك لا تراجيديا ودراما وبكاء ونواح. أتدري أنني أشعر بعد انتهائي من قراءة أي جريدة بأنها زعزعت تفاؤلي وإقدامي وعزيمتي؟ فبعض العبارات قذائف وبعض الصور ناقصة عقلاً وعدلاً، حتى الإعلان صار رخيصاً، خليها... ارمها... أقذفها... جربها... ولعها. أين الكلمة وغلاها؟ أين الجملة وأناقتها؟ بل أين الصورة وجمالها؟ أريد جملة جميلة ومشاهد أجمل عن مدينتي، وأرفض تزاحمكم لتستقدموا خبراً في شكل مسبق فقط، لأنني صرت أقرأ الكثير من أنبائكم، بل من أخباركم الملفقة دفعة واحدة ويعلوني القلق دفعة واحدة. حتى أخباركم الرياضية لا أجد فيها سطراً واحداً عن لعبة غولف وديعة أو بنغ بونغ لطيفة أو سباحة عميقة، بل مدونات لزعيق وشجار وخصام كتاب مباراة كرة القدم. أما مصاصو التحاليل الاقتصادية، فتأكد أنك لو اتبعتهم ستخسر كل ما فوقك وتحتك. لأنهم كرهونا أخبار المال ودنيا الأعمال. وأكمل لأقول إن الجريدة صارت عبئاً نفسياً، وكأن الشوارع كلها لا تنظف والأشجار لا تسقى والجياع لا تأكل والأطفال كلهم يتامى والمستشفيات لا تُسعف والدواء مغشوش والأكل ملوث والشوارع مظلمة. يا أخي أنت لست في حاجة إلى البطالة لتكتب عن الرفش والمجرفة، ولست في حاجة إلى الفقراء لتكتب عن العطاء، ولست في حاجة إلى وباء لتكتب عن العافية. أنت فقط في حاجة إلى رسالة صحفية تثير السؤال ولا تثير الجدل، ولكن الكل طالب جدل بفبركة قصة أو كتابة مقالة أو حياكة حكاية صحفية تثير الجدل. أما أنا فأفضل أن أجد من يساعدني لأحارب اليأس وأرفع راية الأمل، من يرشدني كيف لا أعيش على الهامش، من يمسك بيدي لأحسن وضعي. أنا حقيقة في حاجة إلى من يعلمني كيف أفرح حتى لو كان لشيء تافه. كيف أرضى؟ كيف أزهو بأنني لست وحدي في هذه الدنيا وأفاجأ كل صباح بدهشة الحياة، لأن لدينا سقفاً وماء ومعمولاً بالتمر ولبناً ومدينة راقية وآمنة من دون كثرة كلام ومن دون جدل. خلف الزاوية ما كنت أملك لا بيتاً ولا شجراً حتى التقيتك في يوم أدين له وأصبحت كل هذي الأرض مملكتي [email protected]